بلغت الأمين فبعث إليه وعنده سليمان بن أبي جعفر فقال له بعد كلام أفحش فيه أنت تكتسب بشعرك أوساخ أيدي الناس اللئام وتقول ولا صاحب التاج المحجب في القصر أما والله ولا نلت مني شيئا بعد ذلك أبدا فقال له سليمان بن أبي جعفر أي والله.
رميه بالثنوية قال سليمان: ثم هو مع هذا من كبار الثنوية فرقة من المجوس يعبدون النار والظلمة وكان يرمى بذلك فقال الأمين وهل يشهد عليه شاهد بذلك فاتاه سليمان بعدة نفر فشهدوا عليه أنه شرب في يوم مطير فوضع قدحه تحت السماء في المطر فقالوا له ما تصنع بذلك ويحك قال أنتم تزعمون أنه ينزل مع كل قطرة ملك فكم تراني أشرب الساعة من الملائكة ثم شرب ما في القدح فغضب محمد وأمر به إلى السجن فذلك قول أبي نواس: يا رب إن القوم قد ظلموني * وبلا اقتراف معطل حبسوني وإلى الجحود بما عرفت خلافه * ربي إليك بكذبهم نسبوني ما كان إلا الجري في ميدانهم * في كل خزي والمجانة ديني لا العذر يقبل لي ويفرق شاهدي * منهم ولا يرضون حلف يميني ما كان لو يدرون أول مخبا * في دار منقصة ومنزل هون أما الأمين فلست أرجو دفعه * عني فمن لي اليوم بالمأمون فبلغت أبياته المأمون فقال والله لئن لحقته لأغنينه غنى لا يؤمله فمات قبل دخول المأمون بغداد إنتهى وما أشد جهل الأمين بتصديق نسبة الثنوية إليه بهذه القصة إن ثبتت فنزول ملك مع كل قطرة لو فرض أنه مروي وثابت ليس من ضروريات الدين حتى ينسب منكره إلى الخروج عن الدين على أن قول أبي نواس كم تراني أشرب الساعة من الملائكة خارج مخرج الظرف والمزاح الذي اعتاده أبو نواس في كل شئ لا يوجب قدحا في عقيدة ولا خروجا عن ملة وهو نظير ما يحكى عن بعض العلماء انه سئل عن القاء الحصاة من المسجد فقال لا باس به قيل له انه يقال إنها لا تزال تصبح حتى تعاد إلى المسجد قال فدعها تصيح حتى تنشق بطنها انتهى. أفترانا نحكم على هذا القائل بالكفر لقوله هذا كلا وقال ابن منظور: إنتهى إلى محمد بن زبيدة ان أبا نواس شرب الخمر فحبسه ثلاثة أشهر ثم دعا به وأراد قتله فأنشأ يقول وأجاد:
تذكر أمين الله والعهد يذكر * مقامي وأنشاديك والناس حضر ونثري عليك الدر يا در هاشم * فيا من رأى درا على الدر ينثر أبوك الذي لم يملك الأرض مثله * وعمك موسى الصفوة المتخير وجدك مهدي الهدى وشقيقه * أبو أمك الأدنى أبو الفضل جعفر ومن مثل منصوريك منصور هاشم * ومنصور قحطان إذا عد مفخر فمن ذا الذي يرمي بسهميك في العلى * وعبد مناف والداك وحمير تحسنت الدنيا بوجه خليفة * هو البدر إلا أنه الدهر مقمر أمام يسوس الملك تسعين حجة * عليه له منه رداء ومئزر يشير إليه الجود من وجناته * وينظر من اعطافه حين ينظر أيا خير مأمول يرجى أنا أمرؤ * أسير زهين في سجونك مقبر مضت لي شهور مذ حبست ثلاثة * كأني قد أذنبت ما ليس يغفر فان كنت لم أذنب ففيم حبستني * وإن كنت ذا ذنب فعفوك أكبر أقول لا بد من أن يكون السبب في حبسه غير هذا فالأمين الذي يشرب الخمر لا يحبس نديمه لأنه بلغه أنه شربها. وقال ابن منظور أيضا: لما وقع الخلاف بين الأمين والمأمون كان ذو الرياستين يخطب بمساوئ الأمين وقد أعد رجلا يحفظ شعر أبي نواس فيقوم بين يديه ويقول: ومن جلسائه رجل ماجن كافر مستهزئ متهكم يقول كذا وكذا وينشد قوله:
ألا فاسقني خمرا وقل هي الخمر * ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر وينشد أيضا قوله:
يا أحمد المرتجى في كل نائبة * قم سيدي نعص جبار السماوات وغير ذلك من قبائح شعره ومجونه ويذكر أهل العراق فيقول أهل فسق وفجور وخمور وماخور ويلعنهم من يحضر المجلس من أهل خراسان فكتب بذلك إلى محمد الأمين عيونه فجزع له وأمر بقتل أبي نواس فكلمه فيه الفضل وغيره فاطلقه ولما أحضره للقتل أحضر الفقهاء بعد أن جمعوا له كل من يحسده من الشعراء والفضلاء وغيرهم ثم قيل له ألست القائل يا أحمد المرتجى في كل نائبة الخ قال بلى يا أمير المؤمنين قال كافر ثم قال للفقهاء ما تقولون يا معشر الفقهاء والشعراء قالوا كفر يا أمير المؤمنين فقال أبو نواس يا أمير المؤمنين إن كانوا قالوا هذا بعقولهم فما أنقصها وإن كانوا قالوا بآرائهم فما جهلهم أيكون زنديقا مقر بان للسماوات جبارا؟ قال لا والله ولقد صدقت قم فقام وأطلقه وقيل إنه قال له يا أمير المؤمنين اجمع كل زنديق في الأرض فان زعموا ان في السماء إلها واحدا فاضرب عنقي ولكني صحبت قوما جهالا لا يعرفون المزح والجد وأنا يا أمير المؤمنين الذي أقول:
قد كنت خفتك ثم أمنني * من أن أخافك خوفك الله وفي تاريخ بغداد بسنده عن أبي نواس قال دخلت على الأمين فقال يا حسن بن هانئ إنك زنديق فقلت يا أمير المؤمنين وأنا أقول مثل هذا الشعر:
أصلي صلاة الخمس في حين وقتها * وأشهد بالتوحيد لله خاضعا وأحسن غسلا إن ركبت جنابة * وإن جاءني المسكين لم أك مانعا وفي كل عام صوم شهر أقيمه * وما زلت للأنداد والشرك خالعا وإني وإن حانت من الكاس دعوة * إلى بيعة الساقي أجبت مسارعا فاشربها صرفا على لحم ماعز * وجدي كثير الشحم أصبح راضعا فضحك وأمر لي بجائزة وانصرفت وذكر نحوه ابن منظور في أخبار أبي نواس وزاد البيت الثالث قال القاضي عياض في شرح الشفا قال القتيبي إن مما أخذ على أبي نواس وكفر فيه أو قارب قوله في محمد الأمين وتشبيهه إياه النبي ص حيث قال:
تنازع الاحمدان الشبه فاشتبها * خلقا وخلقا كما قد الشراكان إنتهى أقول لا شك أن في هذا سوء أدب من أبي نواس مع النبي ص لكن الاسراع إلى التكفير بمثله أمر عظيم والعجب ممن يروي قصة الغرانيق وإن الشيطان أجرى على لسانه ص في الأصنام: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى وإن النساء كانت تغني بين يديه وتضرب بالدفوف حتى قال اسكتن فقد جاء رجل لا يحب الباطل وإنه ص سحر وإنه سها في الصلاة ولا يأخذون على راويه ولا يرونه كفرا أو قريبا منه