فقال له عبد الواحد قم عليك لعنة الله والله لا أحدثك بعد ذلك ولا أعرف وجهك فقام أبو نواس وقال والله لا أتيت مجلسك وأنت ترد الصحيح من الأحاديث، وحكى ابن عساكر في تاريخ دمشق عن عبيد الله بن محمد بن عائشة قال اتيت إسحاق بن يوسف الأزرق يوما فلما رآني بكى فقلت ما يبكيك فقال هذا أبو نواس قلت ما له قال يا جارية إئتيني بالقرطاس فإذا فيه مكتوب:
يا ساحر المقلتين والجيد * وقاتلي منك بالمواعيد توعدني الوصل ثم تخلفني * يا ويلة لي من خلف موعودي حدثني الأزرق المحدث عن شمر * وعوف عن ابن مسعود ما تخلف الوعد غير كافر * أو كافر في الجحيم مصفود كذب والله علي وعلى التابعين وعلى أصحاب محمد ص ما حدثته والله بهذا قط انتهى وهذا يدل على إن إسحاق هذا كان مغفلا. ومن طرائفه التي ترتبط بعلم الحديث ما رواه الخطيب باسناده أنه لقي شعبة وهو من رواة الحديث أبا نواس فقال له يا حسن حدثنا من طرفك فقال:
حدثنا الخفاف عن وائل * وخالد الحذاء عن جابر ومسعر عن بعض أصحابه * يرفعه الشيخ إلى عامر قالوا جميعا أيما طفلة * علقها ذو خلق طاهر فواصلته ثم دامت له * على وصال الحافظ الذاكر كانت لها الجنة مفتوحة * ترتع في مرتعها الزاهر وأي معشوق جفا عاشقا * بعد وصال دائم ناضر ففي عذاب الله بعدا له * نعم وسحق دائم ذاخر فقال له شعبة إنك لجميل الأخلاق وإني لأرجو لك. فانظر إلى الفرق بينه وبين إسحاق. وروى الخطيب في تاريخ بغداد بسنده عن عبيد الله بن محمد بن عائشة قال رأيت أبا نواس في مجلس عبد الواحد بن زياد فقلت أرجو أن يكون صلح إلى أن قال فانصرفت إلى منزلي وإذا قد سبقت برقعة وإذا فيها مكتوب:
لولا غزال كغصن بان * يجري مع الشمس في عنان ما كنت أسعى إلى فقيه * مباعد الدار غير داني أسمع من لفظه فصولا * عنها قد أغنيت بالقران أنا بوصفي مقدمات * من الأباريق والقناني أحذق مني بان أنادي * حدثنا ثابت البناني وعن محاضرات الراغب: كان أبو نواس مولعا بأبي عبيدة النحوي معمر بن المثنى فكتب يوما على أسطوانة كان يستند إليها أبو عبيدة:
صلى الاله على لوط وشيعته * أبا عبيدة قل بالله آمينا لانت عندي بلا شك زعيمهم * منذ احتلمت وقد جاوزت ستينا فلما رآه أبو عبيدة قال لبعض أصحابه ويحك إصعد فوقي وحكه فتطأطأ له وصعد يحكه فلما ثقل عليه قال أوجز فقال حككته كله ولم يبق إلا لوط فقال ويحك هذا هو المقصود. وفي مروج الذهب: كان أبو عبيدة يقعد في مسجد البصرة إلى سارية من سواريه فكتب أبو نواس عليها في غيبته: صلى الاله على لوط البيت فلما جاء أبو عبيدة إلى تلك السارية قال هذا فعل الماجن أبي نواس حكوه وإن كان فيه صلاة على نبي. وقال ابن منظور قال محمد بن هشام كنا عند أبي عبيدة في المسجد الجامع ومعنا أبو نواس إذ كتب إنسان على دفتره شيئا وقد لحظ الأسطوانة فقال له أبو عبيدة ما هذا الذي تكتب فنظرنا فإذا بيت قد قاله أبو نواس وهو: صلى الاله على لوط البيت فقال أبو عبيدة هذا عمل الخبيث يعني أبا نواس وكنا أربعة أو خمسة فقال أبو عبيدة لكيسان أيما أحب إليك أن تجبي لي فامحوه أو أجبي لك فتمحوه أنت قال أجب لي أنت فانحني أبو عبيدة وحمل كيسان على ظهره وقال له حكه قال كيسان فجعلت أحكه وهو يقول لي ويحك عجل لا نفتضح عند الناس ثم قال لي قد فرغت قلت قد بقي لوط وحده فقال لي أبو عبيدة وهل نهرب إلا من لوط حكه فحككته إنتهى ويظهر إن أبا نواس كتبه في موضع عال لا تناله اليد حتى يصعب حكه. قال ابن منظور: وقيل إن هذا البيت وجد في رقعة في مجلس أبي عبيدة وبعده بيت آخر وهو فأنت عندي البيت المتقدم فاتهم بذلك أبا محمد اليزيدي يحيى بن المبارك وأبا نواس فاعتذر إليه أبو نواس فقبل عذره ولم يعتذر اليزيدي فقال أبو عبيدة لا فخرت عندي الرباب باني ذكرتها أبدا فكيف أذكر عبدها وكان اليزيدي مولى لعدي الرباب إنتهى. ومن عبثه بأبي عبيدة ما ذكره ابن منظور قال: جاء أبو نواس بناطف فألقاه على سارية أبي عبيدة وجاء أبو عبيدة فاتكا على قفاه إلى السارية فلما انتصف النهار واشتد الحر ذاب الناطف فسال على وجه أبي عبيدة وعينيه ولحيته وثيابه فقال قبح الله الماجن الخبيث أبا نواس فان هذا من عمله قال وقال الجماز: كنا في حلقة أبي عبيدة فوجدنا فيها رقاعا في كل رقعة منها مكتوب:
أمر الأمير باخذ أولاد الزنا فتفرقوا لا تؤخذوا فتعاقبوا فقال أبو عبيدة من فعل هذا لعنه الله فقال أبو نواس لو علمت من فعل هذا لأهجونه فضحك أبو عبيدة وقال: ومحترس من مثله وهو حارس.
أخباره مع والبة بن الحباب قال جامع ديوانه: خرج أبو نواس يوما مع والبة بن الحباب من الكوفة يريدان الحيرة وهما يمشيان وأرجلهما تغرق في الرمل وقد جاعا فقال أبو نواس:
يا ليت فيما بيننا ستة * أرغفة ما بينها وزه فقال والبة:
من وز أرض الصين نؤتى بها * مشوية تتبعها رزه فقال أبو نواس:
جواذبة تؤخذ من بعدها * خمر من الحيرية المزه فقال والبة:
يديرها ساق وقد شابها * من ماء مزن جوف فافزه فقال أبو نواس:
معه جوار كالمها زانها * نضم جمان مع نقابزه فقال والبة:
وكلنا للبيض يهوى كما * كنير كان هوى عزه