الخصيب لزيادة في أسعارهم فقال أبو نواس دعني أيها الأمير أكلمهم قال ذاك إليك فخرج حتى وافى المسجد الجامع وقد تواعدوا أن يجتمعوا فيه فأنشد قوله من أبيات:
منحتكم يا أهل مصر نصيحتي * إلا فخذوا من ناصح بنصيب فان يك باق أفك فرعون فيكم * فان عصى موسى بكف خصيب ويقال إنه ارتجلها على المنبر فلما سمعوها تفرقوا وعاد إلى مجلس الخصيب فامر له بألف دينار أخرى ويقال إن الرشيد قال له ألا قلت فباق عصى موسى بكف خصيب فقاله هذا يا أمير المؤمنين أحسن ولكنه لم يقع لي وعلى هذا فيكون الخصيب قد أجاز أبا نواس بثلاثة آلاف دينار في ثلاث دفعات ومع ذلك فقد هجاه ولم يقع إلي سبب هجائه إياه قال:
خبز الخصيب معلق بالكوكب * يحمى بكل مثقف ومشطب جعل الطعام على بنيه محرما * قوتا وحلله لمن لم يسغب فإذا هم رأوا الرغيف تطربوا * طرب الصيام إلى آذان المغرب أخباره مع الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك كانت دولة الرشيد في يد البرامكة فقد استوزر الرشيد يحيى بن خالد والد الفضل هذا وقال له قد قلدتك أمر الرعية فاحكم فيها بما ترى واعزل من رأيت واستعمل من رأيت ودفع إليه خاتمه. وكان الأولى بالرشيد لو كان يتقي الله أن يقول له فاحكم بالعدل وبتقوى الله. ثم نكب الرشيد البرامكة وقتلهم لتشيعهم في الباطن على الصحيح ودفعهم القتل عن بعض العلويين وتم تصديق قول: من أعان ظالما بلي به. وإذا كان يحيى بهذه المنزلة من الرشيد يكون لولديه الفضل وجعفر أعلى منزلة في دولة الرشيد وقد كانا كذلك ويكون أبو نواس يتقرب بالطبع إلى الفضل ويمدحه لينال جوائزه وكان الفضل من كرام الدنيا واجواد أهل عصره فمن مدائح أبي نواس في الفضل قوله من قصيدة:
سأشكو إلى الفضل بن يحيى بن خالد * هواك لعل الفضل يجمع بيننا وهذا المخلص مما عيب عليه فيه وهو محل العيب. يقول فيها:
إليك أبا العباس من دون من حشا * عليها امتطينا الحضرمي الملسنا قلائص لم تسقط جنينا من الوجى * ولم تدر ما قرع الفنيق ولا الهنا نزور عليها من حرام محرم * عليه بان يعدو بزائره الغنى وفي أنوار الربيع: دخل أبو نواس على الفضل بن يحيى فأنشده قصيدته التي أولها:
أربع البلى أن الخشوع لبادي * عليك وإني لم أخنك ودادي فتطير الفضل من هذا الابتداء * فلما انتهى إلى قوله فيها:
سلام على الدنيا إذا ما فقدتمو * بني برمك من رائحين وغادي استحكم تطيره واشمأز وقال نعيت إلينا أنفسنا فلم يمض إلا أسبوع حتى نزلت بهم النازلة وقد قيل والله أعلم إن أبا نواس قصد التشاؤم لهم وكان في نفسه من جعفر إنتهى.
أخباره مع الفضل بن الربيع وولديه العباس ومحمد كان أبوه الربيع بن يونس بن محمد بن كيسان أبي فروة مولى عثمان بن عفان لقيطا أو لغير رشدة فيما يقال وكان وزيرا للمنصور ثم حاجبا لابنه محمد المهدي ثم وزيرا لابنه موسى الهادي ثم قتله الهادي وهو غير الربيع بن الحسن بن عثمان الذي كان حاجبا للمهدي وابنه الفضل هذا كان حاجبا للمنصور والمهدي والهادي والرشيد وكان شهما خبيرا بأحوال الملوك وآدابهم فلما نكب الرشيد البرامكة استوزره بعدهم بعد ما كان حاجبه قال ابن الطقطقي وكان أبو نواس من شعرائه المنقطعين إليه ومن مدائح أبي نواس في الربيع وابنه الفضل وحفيده العباس قوله:
ساد الملوك ثلاثة ما منهم * أن حصلوا إلا أغر قريع ساد الربيع وساد فضل بعده * وعلت بعباس الكريم فروع عباس عباس إذا احتدم الوغى * والفصل فضل والربيع ربيع وعن محاضرات الراغب أن الفضل بن الربيع غضب على أبي نواس فقال أنت القائل:
يا أحمد المرتجى في كل نائبه * قم سيدي نعص جبار السماوات فقال نعم فسال جماعة الفقهاء عنه فقال كل يحل دمه فقال أبو نواس إن قلتم ذلك بعقولكم فقبحا لها وإن قلتم تخمينا فما أبعدكم من العقل هل للسماء من يجبرها وهل بها كسر فاحتيج إلى أن تجبر. وفي تاريخ دمشق:
حبس الفضل أبا نواس في حبس له وكان السجان يقال له سعيد وكان يعامله معاملة غليظة فكتب إلى الفضل:
أبا العباس زد رجلي قيودا * وثن علي سوطا أو عمودا ووكل لي وبالأبواب حولي * من لأقوام شيطانا مريدا واعف محاجري من شخص فدم * ثقيل جده يدعى سعيدا فقد ترك الحديد علي ريشا * وأوقر ثقله قلبي حديدا فلما وصلته الأبيات أطلقه وفي تاريخ بغداد كتب أبو نواس إلى الفضل بن الربيع:
ما من يد في الناس واحدة * إلا أبو العباس مولاها نام الثقات على مضاجعهم * فسرى إلى نفسي فأحياها قد كنت خفتك ثم آمنني * من أن أخافك خوف الله فعفوت عنا عفو مقتدر * حلت به نعم فألفاها وقال يمدح الفضل بن الربيع من قصيدة:
وعظتك واعظة القتير * ونهتك أبهة الكبير ورددت ما كنت استعر * ت من الشباب إلى المعير صور إليك مؤنثا * ت الدل في زي الذكور عطل الشوى ومواضع * الأزرار منها والنحور أرهفن أرهاف الأعنة * والحمائل والسيور مثل الظباء سمت إلى * روض صوادر من غدير فالآن صرت إلى النهى * وبلوت عاقبة السرور يا فضل جاوزت المدى * فجللت عن شبه النظير أنت المعظم والمكبر * في العيون وفي الصدور فإذا العقول تفاطنتك * عرضن في كرم وخير وإذا العيون تأملتك * صدرن عن طرف حسير