ونحن في أطيب موضع فذكرنا الجنة وطيبها والمعاصي وما يحول عنه منها وأبو نواس ساكت فقال:
يا ناظرا في الدين ما الأمر * لا قدر صح ولا جبر ما صح عندي من جميع الذي * تذكر إلا الموت والقبر قال فامتعضنا من قوله وأطلنا توبيخه وأعلمناه انا نتخوف صحبته فقال ويلكم إني والله لاعلم بما تقولون ولكن المجون يفرط علي وأرجو أن أتوب ويرحمني الله ثم قال: أية نار قدح القادح الأبيات المتقدمة في المواعظ ثم قال هذا عمل الشيطان القى الزاهد بهذا الكلام ليفسد يومكم فمع إنه رواية عن فاسق يقر على نفسه بشرب الخمر قد اعترف أبو نواس بان عقيدته خلافه وإنما ساقه إليه المجون وإنه يرجو لنفيه التوبة والرحمة وأنشد الأبيات الحائية الدالة على حسن العقيدة ومع ذلك خلط الجد بالهزل وقال إنه من عمل الشيطان ليفسد عليكم يومكم.
رؤيته في المنام بعد الموت في تاريخ دمشق: لما مات رئي في المنام فقيل له ما فعل الله بك فقال غفر لي بأبيات قلتها في النرجس:
تأمل في نبات الأرض وانظر * إلى آثار ما فعل المليك عيون من لجين ناظرات * وأحداق هي الذهب السبيك على قضيب الزبرجد شاهدات * بان الله ليس له شريك وفي معاهد التنصيص حكي عن عبد الله بن المعتز إنه قال رأيت أبا نواس في المنام فقلت له لقد أحسنت في قولك:
جاءت بابريقها من بيت تاجرها * روحا من الخمر في جسم النار فقال لا بل أحسنت في قولي:
يا قابض الروح من جسم أسى زمنا * وغافر الذنب زحزحني عن النار وفي تاريخ بغداد بسنده عن محمد بن نافع أنه رأى أبا نواس في المنام بعد موته فقال له ما فعل الله بك؟ قال غفر الله لي بأبيات قلتها هي تحت الوسادة فسال أهله هل قال شعرا قبل موته قالوا دعا بدواة وقرطاس وكتب شيئا لا ندري ما هو فرفع وسادة فإذا برقعة فيها مكتوب:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة * فلقد علمت بان عفوك أعظم الأبيات الأربعة المتقدمة ومر رؤية بعضهم له في المنام وقوله إن الله غفر له بقوله من انا عند الله الأبيات وفي شرح الشفا لعلي القاري قال إسحاق التمار رأيت أبا نواس فيما يرى النائم فقلت له ما فعل الله بك قال غفر لي فأنكرت ذلك فقلت ألست أبا نواس؟ قال بلى غفر لي ربي بأبيات قلتها وهي في البيت تحت رأسي فبكرت إلى ابنه فسألته عن الرقعة فأدخلني الدار فرفعت الحصير فإذا رقعة مكتوب فيها بخطه يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة الأبيات.
هذا ما تيسر لنا جمعه من سيرة أبي نواس وقد لاقينا عناء شديدا فيما أخذناه من ديوانه المطبوع فإنه كثير الغلط والتصحيف ولا توجد نسخة أخرى صحيحة يمكن الاعتماد عليها وقد فسر ألفاظه معاصر في بعض الطبعات فلم يكن تفسيره مجديا لأنه اعتمد على النسخة الأولى المغلوطة لذلك احتجنا إلى مراجعة مراجع أخرى ومع ذلك فقد بقي بعض ما في الديوان مستغلقا.
836: الشيخ جمال الدين أبو عبد الله الحسن ابن الشيخ جمال الدين هبة الله بن رطبة السوراوي.
كان حيا سنة 560.
السوراوي نسبة إلى سورا بالقصر أو سوراء بالمد بضم أوله وسكون ثانيه ثم راء وألف مقصورة أو ممدودة. في معجم البلدان. بالقصر موضع بالعراق من أرض بابل وهي مدينة السريانيين قريبة من الحلة المزيدية قال أبو جفنة القرشي:
وفتى يدير علي من طرف له * خمرا تولد في العظام فتورا مما تخيرت التجار ببابل * أو ما تعتقه اليهود بسورا قال وقد مده عبيد الله بن الحر في قوله:
ويوما بسوراء التي عند بابل * أتاني أخو عجل بذي لجب بحر وبالمد موضع إلى جنب بغداد وقيل بغداد نفسها ويروى بالقصر ذكر ابن الجواليقي إنه مما تلحن فيه العامة فتفتحه وهو بالضم إنتهى ونهر سورا الذي يشبه به بياض الصبح في الأخبار هو نهر قرب الكوفة ولعله منسوب إلى سورا التي بقرب الحلة.
إختلاف النسخ في اسمه ذكره بعضهم الحسن مكبرا ومنهم الشهيد في إجازته لابن الخازن الحائري وبعضهم الحسين مصغرا كما يأتي في الحسين والظاهر اتحادهما كما في الرياض وأن أحدهما تصحيف الآخر لاتحاد الدرجة لروايتهما عن الشيخ الطوسي والغلط من النساخ فأبدلوا الحسن بالحسين وذكر لهما صاحب الأمل ترجمتين واحتمال ان أحدهما أخو الآخر ممكن لكنه بعيد.
جماعة منسوبون إلى ابن رطبة والى السوراوي في الرياض: سيجئ جماعة منسوبون إلى ابن رطبة وإلى السوراوي والظاهر أنهم من أقربائه وعشيرته منهم الشيخ حسين بن أحمد السوراوي ولعله أخوه أو هو الحسن بعينه ومنهم نجيب الدين محمد السوراوي إنتهى.
والده في الرياض: إن والده الشيخ جمال الدين هبة الله بن رطبة أيضا من العلماء ويروي عن الشيخ أبي علي ولد الشيخ الطوسي كما يروي عنه ولده المترجم.
أقوال العلماء فيه في أمل الآمل: الشيخ جمال الدين الحسن بن هبة الله بن رطبة السورائي كان فاضلا فقهيا عابدا يروي عنه ابن إدريس له كتب إنتهى. وفي الرياض: في أول سند كتاب سليم بن قيس هكذا أخبرني الشيخ الفقيه أبو عبد الله الحسن هبة الله بن رطبة عن الشيخ المفيد أبي علي عن والده فيما سمعه يقرأ عليه بمشهد مولانا السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي ص في المحرم من سنة 560 فلعل القائل أخبرني هو ابن إدريس إنتهى الرياض.