وارسل الخليفة إلى السلطان ونظام الملك يستدعي ابن جهير ليستوزره فسير اليه فاستوزره وركب اليه نظام الملك فهناه بالوزارة في داره. وفيها وصل السلطان ومعه نظام الملك إلى بغداد وابتدأ نظام الملك والامراء الكبار بعمل دور لهم يسكنونها إذا قدموا بغداد فلم تطل مدتهم بعدها وتفرق شملهم بالموت والقتل وغير ذلك في باقي سنتهم ولم تغن عنهم عساكرهم وما جمعوا شيئا فسبحان الدائم الذي لا يزول امره وفي آخر هذه السنة مرض نظام الملك ببغداد فعالج نفسه بالصدقة فكان يجتمع بمدرسته من الفقراء والمساكين من لا يحصى وتصدق عنه الأعيان والامراء من عسكر السلطان فعوفي وارسل له الخليفة خلعا نفيسه. وفيها توفي أبو طاهر عبد الرحمن بن محمد الفقيه الشافعي ومشى أرباب الدولة السلطانية كلهم في جنازته الا نظام الملك فإنه اعتذر بعلو السن وأكثر البكاء عليه.
مقتل نظام الملك قال ابن الأثير قتل في سنة 485 عاشر رمضان بالقرب من نهاوند وكان هو والسلطان بأصبهان وقد عاد إلى بغداد فلما كان بهذا المكان بعد إفطاره خرج في محفته إلى خيمة حرمه فاتاه صبي ديلمي من الباطنية في صورة مستميح أو مستغيث فضربه بسكين كان معه فقضى عليه وهرب فعثر بطنب خيمة فأدركوه فقتلوه وبقي وزير السلطان ثلاثين سنة سوى ما وزر للسلطان ألب أرسلان صاحب خراسان أيام عمه طغرلبك قبل ان يتولى السلطنة وكان سبب قتله انه ولى حفيده عثمان رياسة مرو وارسل السلطان إليها شحنة من أكبر مماليكه فجرى بينه وبين عثمان منازعة فحملت عثمان حداثة سنة وطمعه بجده على أن قبض عليه وأهانه ثم أطلقه فشكى ذلك إلى السلطان فأرسل السلطان إلى نظام الملك رسالة مع جماعة من أرباب دولته يقول له ان كنت شريكي في الملك والسلطنة فلذلك حكم وان كنت نائبي فيجب ان تلزم حد التبعية والنيابة فهؤلاء أولادك قد استولى كل واحد منهم على ولاية كبيرة ولم يقنعهم ذلك حتى تجاوزوا امر السياسة ففعلوا كذا وكذا وارسل معهم بعض خواصه وقال له تعرفني ما يقول فربما كتم هؤلاء شيئا فأبلغوا نظام الملك الرسالة فقال لهم قولوا للسلطان ان كنت ما علمت اني شريكك في الملك فاعلم فإنك ما نلت هذا الامر الا بتدبيري أما يذكر حين قتل أبوه وقمعت الخوارج عليه من أهله وغيرهم فلما قدت الأمور اليه وفتحت له الأمصار اقبل يتجنى لي الذنوب ويسمع في السعايات قولوا له عني ان ثبات تلك القلنسوة معذوق بهذه الدواة ومتى أطبقت هذه زالت تلك وأشياء من هذا القبيل فلما خرجوا من عنده اتفقوا على كتمان ما قاله عن السلطان وان يقولوا له ما مضمونه العبودية والتنصل ومضى العين الذي معهم إلى السلطان فاعلمه ما جرى وبكروا إلى السلطان وهو ينتظرهم فقالوا له من الاعتذار ما كانوا اتفقوا عليه فقال بهم انه لم يقل هذا وانما قال كيت وكيت فأشاروا بكتمان ذلك رعاية لحق نظام الملك وسابقته فوقع التدبير عليه حتى تم عليه من القتل ما تم. ومات السلطان بعده بخمسة وثلاثين يوما فانحلت الدولة ووقع السيف وكان قول نظام الملك شبه الكرامة له اه.
ويظهر من ذلك ان الصبي الباطني كان قد دسه السلطان لقتله وبذلك صرح صاحب مختصر تاريخ آل سلجوق فإنه قال إنه قتل غيلة بسكين ملحد ثم قال وكان ما جرى عليه من الاغتيال تجويزا من السلطان مضمرا وامرا مبيتا مدبرا.
مدائحه قال علي بن الحسن الشهير بصردر يمدحه عن لسان بعض الرؤساء من قصيدة:
ومن نظام الملك لي جنة * حصينة ما مثلها واقي نعم الحمى ان عرضت خطة * قد لفها الليل بسواق لا يهجم السخط على حلمه * ان عثر الأخمص بالساق ولا يهز الكبر اعطافه * وهو على طود العلا راق في لفظه والخط مندوحة * عن صارم الحدين ذلاق أبلج مصباح سنا نوره * لسنة البدر باشراق ذو بهجة غراء ميمونة * زينها ديباج اخلاق يحل ما يبديه من بشره * عقد لسان الهائب اللاقي أبوابه للوفد مفتوحة * كأنها أجفان عشاق مسافة العلياء ان أقصيت * فهو بها عمر بن براق والعيس عيس فإذا زرنه * فإنها أسباب أرزاق ليس يخيب الظن فيه ولا * يعود راجيه باخفاق أضحت صروف الدهر مأمورة * للحسن القرم بن إسحاق أوامر تملؤها طاعة * أهل أقاليم وآفاق ما بين جيحون فقالي قلا * وبين اشام واعراق في كل يوم بأراضي العدى * سجل دم بالطعن مهراق مثل بني الأصفر اودى بهم * أروع يردي كل مراق ذاق مليك الروم من صابها * ما لم يكن قبل بذواق والشمس لا يمنعها بعدها * من فعل انماء واحراق وتقدم ان صردر أيضا مدحه في ضمن قصيدة.
ومن مدحه من الشعراء طاهر بن الحسين أبو الوفاء البندنيجي الهمذاني قال ابن الأثير كان شاعرا أديبا وكان يمدح لا لعرض الدنيا ومدح نظام الملك بقصيدتين كل واحدة منهما تزيد على أربعين بيتا إحداهما ليس فيها نقطة والأخرى جميع حروفها منقوطة.
مراثيه قال ابن الأثير وأكثر الشعراء من مراثيه فمن جيد ما قيل فيه قول شبل الدولة مقاتل بن عطية:
كان الوزير نظام الملك لؤلؤة * يتيمة صاغها الرحمن من شرف عزت فلم تعرف الأيام قيمتها * فردها غيرة منه إلى الصدف قال ورأى بعضهم نظام الملك بعد قتله في المنام فسأله عن حاله فقال كان يعرض علي جميع عملي لولا الحديدة التي أصبت بها يعني القتل اه.
402: الحسن بن علي بن أشناس يأتي بعنوان الشيخ أبو علي الحسن بن إسماعيل بن محمد بن أشناس البزار.