الكتاب، بعث إليه فجئ به والخصوم بين يديه. فقام إليه علي بن الحسين فقال له: يا أخي تكلم بكلمات الفرج، يفرج الله عنك لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين، فلما قالها انفرجت فرجة من الخصوم، فرآه عثمان فقال: أرى وجه رجل قد افتريت عليه كذبة. خلوا سبيله، وأنا كاتب إلى أمير المؤمنين بعذره، فان الشاهد يرى ما لا يراه الغائب. وقيل إن والي المدينة كان يومئذ هشام بن إسماعيل.
وروى أبو الفرج في الأغاني بسنده عن المدائني قال: عاتب عبد الملك بن مروان الحسن بن الحسن ع على شئ بلغه من دعاء أهل العراق إياه إلى الخروج معهم على عبد الملك فجعل يعتذر إليه ويحلف له: فقال له خالد بن يزيد بن معاوية: يا أمير المؤمنين ألا تقبل عذر ابن عمك وتزيل عن قلبك ما قد أشربته إياه أما سمعت قول أبي الطمحان القيني:
إذا كان في صدر ابن عمك أحنة * فلا تتستر سوف يبدو دفينها وإن حماة المعروف أعطاك صفوها * فخذ عفوه لا يلتبس بك طينها وقال ابن عساكر: غضب عبد الملك بن مروان على آل علي وآل الزبير فكتب إلى عامله بالمدينة هشام بن إسماعيل بن الوليد أن أقم آل علي يشتمون عليا وآل الزبير يشتمون عبد الله بن الزبير فأبى آل علي وآل الزبير وكتبوا وصاياهم فركبت أخت لهشام إليه وكانت عاقلة فقالت يا هشام أتراك الذي يهلك عشيرته على يده راجع أمير المؤمنين قال ما أنا بفاعل قالت فإن كان ولا بد فمر آل علي يشتمون آل الزبير وآل الزبير يشتمون آل علي فقال هذه أفعلها واستبشر الناس بذلك وكانت أهون عليهم وكان أول من أقيم إلى جانب المنبر الحسن بن الحسن وكان رجلا رقيق البشرة عليه يومئذ قميص كتان رقيق فقال له هشام: تكلم فسب آل الزبير فقال: إن لآل الزبير رحما يا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار. فقال هشام لحرسي عنده أضربه فضربه سوطا واحدا فقام أبو هشام عبد الله بن محمد بن علي فقال انا دونه أكفيك أيها الأمير فقال في آل الزبير وشتمهم ولم يحضر علي بن الحسين ولا عامر بن عبد الله بن الزبير فهم هشام أن يرسل إليه فقيل له إنه لا يفعل أفتقتله فامسك عنه وحضر من آل الزبير كفاءه وكان عامر يقول إن الله لم يرفع شيئا فاستطاع الناس خفضه أنظروا إلى ما يصنع بنو أمية يخفضون عليا ويغرون بشتمه وما يزيده الله بذلك إلا رفعة.
وفي عمدة الطالب وتاريخ ابن عساكر وإرشاد المفيد وبينها بعض التفاوت بالزيادة والنقيصة واختلاف العبارة وأتمها لفظا عبارة العمدة ونحن نجمع بين ما فيها قالوا عن الزبير بن بكار أنه روى أن الحسن بن الحسن كان يتولى صدقات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع في عصره ونازعه فيها زين العابدين علي بن الحسين ع ثم سلمها إليه فلما كان زمن الحجاج سأله عمه عمر بن علي أن يشركه فيها فأبى فاستشفع عمر بالحجاج فبينما الحسن يساير الحجاج ذات يوم في موكبه في المدينة والحجاج يومئذ أميرها قال الحجاج يا أبا محمد ان عمر بن علي عمك وبقية أهلك فاشركه معك في صدقات أبيه فقال له الحسن والله لا أغير ما شرط علي فيها ولا ادخل فيها من لم يدخله وكان أمير المؤمنين ع قد شرط ان يتولى صدقاته ولده من فاطمة دون غيرهم من أولاده وعمر هذا الملقب بالاطرف أمه الصهباء بنت ربيعة التغلبية فقال له الحجاج إذا أدخله معك فنكص عنه الحسن حين غفل وذهب من فوره إلى الشام فمكث بباب عبد الملك بن مروان شهرا لا يؤذن له فمر به يحيى بن الحكم وأمه وأم الحكم وهي أم مروان وأبوها ثقفي فلما رآه عدل إليه فسلم عليه وسأله عن مقدمه وخبره وتحفى به ثم قال إني سأنفعك عنده واستأذن لك عليه وأرفعك عنده وكان يحيى قد خرج من عند عبد الملك فكر راجعا فلما رآه عبد الملك قال يا يحيى لم رجعت؟ فقال لأمر لم يسعني تأخيره دون أن أخبر به أمير المؤمنين، قال وما هو؟ قال هذا الحسن بن الحسن بن علي بالباب له مدة شهر لا يؤذن له وإن له ولأبيه ولجده شيعة يرون أن يموتوا عن آخرهم ولا ينال أحدا منهم ضر ولا أذى.
فامر عبد الملك بادخاله فدخل فرحب به عبد الملك وأعظمه وأكرمه وأجلسه معه على سريره وأحسن مساءلته. وكان الحسن قد أسرع إليه الشيب فقال له عبد الملك لقد أسرع إليك الشيب يا أبا محمد، ويحيى بن الحكم في المجلس فقال له يحيى وما يمنعه من ذلك يا أمير المؤمنين شيبته أماني أهل العراق يرد عليه الوفد يمنونه الخلافة، فغضب الحسن من هذا الكلام وأقبل على يحيى وقال له بئس الرفد رفدت ليس كما زعمت ولكنا قوم يسرع إلينا الشيب ظنا منه أن يحيى قد غشه والواقع أنه قد نصحه، وعبد الملك يسمع، فالتفت إليه عبد الملك فقال له هلم ما قدمت له، فذكر له حكاية عمه عمر وان الحجاج يريد ان يدخله معه في صدقات جده، فقال عبد الملك ليس له ذلك، وكتب إلى الحجاج كتابا أن لا يعارض الحسن بن الحسن في صدقات جده ولا يدخل معه من لم يدخله علي وكتب في آخر الكتاب بهذه الأبيات:
أنا إذا مالت دواعي الهوى * وأنصت السامع للقائل لا نجعل الباطل حقا ولا * نلط دون الحق بالباطل نخاف أن تسفه أحلامنا * فنخمل الدهر مع الخامل وختم الكتاب وسلمه إليه وأمر له بجائزة وصرفه مكرما. فلما خرج من عند عبد الملك لحقه يحيى ابن أم الحكم فعاتبه الحسن على سوء محضره فقال له الحسن بئس الله الرفد رفدت ما هذا الذي وعدتني ما زدت على أن أغريته بي، فقال له يحيى أيها عنك والله ما عدوتك نصيحة ولا ألوتك رفدا ولا يزال يهابك بعدها أبدا ولولا هيبته إياك ما قضى لك حاجة. وعمر الأطرف هذا كان قد تخلف عن أخيه الحسين ولم يسر معه إلى الكوفة وكان قد دعاه إلى الخروج معه فلم يخرج ويقال انه لما بلغه قتل أخيه الحسين خرج في معصفرات له وجلس بفناء داره وقال أنا الغلام الحازم ولو أخرج معهم لقتلت وكان أول من بايع عبد الله بن الزبير ثم بايع بعده الحجاج ذكر ذلك كله صاحب عمدة الطالب. ومن كانت هذه سجيته فلا غرو أن يروم نقض شرط أبيه أمير المؤمنين وإدخال نفسه في وقفه ظلما وعدوانا ويستعين على ذلك بالحجاج ولا عجب إذا ساعده الحجاج على ذلك ورام إدخاله قهرا حتى منعه عبد الملك بتدبير يحيى بن الحكم. ويحيى هذا مع أنه أخو مروان وابن أم الحكم فقد كان له مواقف حسنة، منها هذا الموقف الذي نفع فيه الحسن وسعى في قضاء حاجته وهذه الحكاية تدل على خبرة ليحيى وحنكة وعقل. ومن مواقفه المحمودة أنه لما ولي أخوه مروان الخلافة وكان يلقب خيط باطل أنشد يحيى:
لحا الله قوما أمروا خيط باطل * على الناس يعطي ما يشاء ويمنع ومنها أنه سال أهل الكوفة الذين جاءوا بالسبايا والرؤوس ما