بخمسين دينارا إلى سبعين، ونسخه كثيرون وعملت منه المختارات العديدة، وحسبك أن يكون منها ما عمله الشريف الرضي نقيب الطالبيين.
أما شخصية الشاعر فعجيبة ولعلها أكثر من شخصية في رجل واحد، انها تصلح فوق ما تصلح له أن تكون مدارا لدراسة نفسية يستقصي صاحبها ما وراء السطور ويلمح الجد وراء الهزل ويحس بالمرارة في الحلاوة.
وقال:
هيا له الشعر موردا حسنا ومهد للاتصال بأكابر رجال العصر كالمهلبي وأبي الفضل وأبي الفرج، وحقق له منزلة مرموقة لدى الملوك البويهيين، عز الدولة وعضد الدولة وصمصام الدولة وبهاء الدولة، وبوزراء هؤلاء الملوك كابن سعد الله وسابور بن اردشير وعبد العزيز، وكانت له دالة اية دالة على هؤلاء الوزراء.
أخباره في تاريخ ابن خلكان ونحوه في مرآة الجنان أنه تولى حسبة بغداد مدة وقيل أنه عزل بأبي سعيد الإصطخري الفقيه الشافعي. وله في عزله ابيات مشهورة في اليتيمة وسأله مغني سيف الدولة المعروف بالهنكري أن يصنع شعرا يغني به بين يدي صاحبه فقال من ابيات:
أميري يا من ندى كفه * يزيد على العارض الممطر وشعر ابن حجاج يا سيدي * يغني به عبدك الهنكري غناء وشعر لنا يجمعان * ما بين زلزل والبحتري قال المؤلف الغناء محرم في مذهب أهل البيت ع وكذلك في بعض المذاهب الاسلامية وفي بعضها يروون أن النبي ص وحاشاه استمع إلى الغناء فلذلك يستحلونه وقد فشا الغناء في الدولتين الأموية والعباسية بين جميع طبقات الناس لما استعمله من تسموا باسم الخلافة حتى وصل إلى سيف الدولة ويا ليته اقتدى بمذهب أهل بيت نبيه كما فشا غيره من المنكرات كشرب الخمر والمجون والخلاعة وغيرها وإذا كان من يحمل لقب امارة المؤمنين يرتكبها فما ظنك بغيره:
إذا كان رب البيت بالطبل ضاربا * فشيمة أهل البيت كلهم الرقص وفي كتاب غاية الاختصار انهم قالوا إن الحاكم بأمر الله العبيدي صاحب مصر كان يوجه في كل سنة ألف دينار إلى أبي عبد الله بن الحجاج لأجل قصيدة مدحه بها اه.
اخباره مع ابن سكرة كان محمد بن سكرة العباسي الشاعر أحد شعراء اليتيمة معاصرا لابن الحجاج وقد نظم ابن سكرة قصيدة يفتخر بها على آل أبي طالب فرد عليه الأمير أبو فراس الحمداني بقصيدته الميمية المشهورة المسماة بالشافية ففضحه وقد نسب ابن الحجاج في ضمن قصيدته الفائية الآتية إلى ابن سكرة أنه هجا الزهراء ع ومن ذلك يظهر نصب ابن سكرة فلذلك عاداه ابن الحجاج وهجاه بهجاء مقذع منه الأبيات التي ذكرها الثعالبي في اليتيمة في ترجمة ابن الحجاج ولم نشا أن نذكرها في كتابنا لما فيها من ألفاظ لا يحسن ذكرها وقد هجاه أيضا في ضمن قصيدته الفائية الآتية بأبيات هي مثل تلك فلذلك لم نذكرها وإذا كان ابن الحجاج يعادي ابن سكرة لذلك فمن الطبيعي أن يعاديه ابن سكرة أيضا ولذلك لما سئل ابن سكرة عن قيمة ديوان شعر ابن الحجاج قال قيمته بربخ، حكاه في اليتيمة، والبربخ كقنفذ ما يوضع في الفخار لمجرى الكنيف والسائل انما سأله عن قيمته الشعرية واشتماله على المجون والسخف لا علاقة له بذلك فقد اجمع المترجمون على أن شعره من حيث الشاعرية في طبقة عالية ولم يمنع امرأ القيس اشتمال شعره على وصف هتكه للفروج من أن يكون مقدم شعراء الجاهلية.
منامات قيل إنها رؤيت في حقه في رياض العلماء: قال السيد بهاء الدين علي بن عبد الحميد النجفي الحسيني في كتاب مقتله الموسوم بالدر النضيد في تعازي الامام الشهيد:
حكى الشيخ الصالح عز الدين حسن بن عبد الله بن حسن التغلبي أن الشيخين الصالحين علي بن محمد الزرزور السوراوي ومحمد بن قارون السيبي كانا يستهزئان بشعر أبي عبد الله الحسين بن الحجاج ويمنعان من انشاد أشعاره ويزريان على من ينظر في ديوانه لما فيه من السخف والقبايح والهجاء الفاضح وبقيا على ذلك برهة من الزمان فاتفق أن الشيخ شمس الدين محمد بن قارون زار الإمام الحسين ع فرأى في منامه كأنه في الحضرة الشريفة الحائرية وفاطمة ص والأئمة علي والحسنان وزين العابدين والباقر والصادق ع هناك وعلي بن الزرزور جالس غير بعيد عنهم ورأى نفسه قائما بين أيديهم ثم التفت فإذا أبو عبد الله بن الحجاج مار في صحن الحضرة الشريفة بهيئة حسنة قال فقلت لعلي بن الزرزور ألا تنظر إلى ابن الحجاج فقال دعني فاني لا أحبه فقالت الزهراء من لا يحبه فليس منا وكذلك خرج الكلام من بين الأئمة ع ولم أدر من قاله منهم ثم انتبهت فزعا مرعوبا مما فرط مني في حق ابن الحجاج ثم نسيت هذا المنام كأني لم أره ثم توجهت مرة أخرى للزيارة في الحائر فإذا بجماعة من الموالين في الطريق سائرين وهم ينشدون أشعار ابن الحجاج وبينهم علي بن الزرزور فحين رأيته ذكرت المنام فقلت لصاحب معي ألا اطرفك بشئ عجيب فقال هات فحكيت له المنام ثم لحقنا القوم فدنوت من ابن الزرزور وسلمت عليه وقلت له لم أعهدك تنكر على من ينشد شعر ابن الحجاج فما بالك اليوم تصغي إلى انشاده فقال ألا أحدثك بما رأيت في حقه فقلت بلى فقص علي ذلك المنام الذي رأيته لم ينقص منه حرفا واحدا وصاحبي يسمع ويتعجب فقلت انا قد رأيت كما رأيت ووفقني الله حتى حكيت ذلك لصاحبي آنفا قبل أن اسمع كلامك فالحمد لله الذي صدق رؤياي ورؤياك وعصمنا من الوقيعة في هذا المجال المحب للآل قال ثم اني اجتمعت بعد ذلك بالشيخ محمد بن قارون في الحضرة الحائرية وحكى لي هذه الحكاية وأراني المواضع التي رأى فيها الأئمة والزهراء ع اه.
قال صاحب الرياض: وهذا موافق لما جرى له في أيام حياته مع السيد المرتضى وهو أن السلطان مسعود بن بويه لما بنى سور المشهد الشريف بالنجف دخل الحضرة الشريفة فوقف ابن الحجاج بين يديه وأنشده قصيدته التي يقول فيها:
يا صاحب القبة البيضا على النجف * من زار قبرك واستشفى لديك شفي