بالري وعاد إلى بغداد. وعميد الدولة هو وزير الخليفة ابن فخر الدولة أبي نصر محمد بن محمد بن جهير وزير الخليفة أقول وفي ذلك يقول علي بن الحسن بن الفضل الملقب بابن صردر قال ابن الأثير كان يلقب بابن صربعر وكان نظام الملك قال له أنت ابن صردر لا صربعر فبقي ذلك عليه يقول في هذه القصيدة:
كفاك نظام الملك أكبر همه * واتعب في إرائة السر والجهرا همام إذا ماهز في الخطب رأيه * فلا عجب ان يخجل البيض والسمرا إذا هو امضى نعمة قد تعنست * تخير أخرى من مواهبه بكرا ومن رأيه الميمون عقد حباله * بحبلك حتى قد شددت به ازرا لئن كنت المشتري في سمائه * علوا لقد قارنت في أفقه الشعرى فأصبحتما كالفرقدين تناسبا * فأكرم بذا حموا وأكرم بذا صهرا وقال ابن الأثير في حوادث سنة 463 فيها قصد ملك الروم بلاد المسلمين فبلغ ألب أرسلان الخبر وهو بمدينة خوي فسير الأثقال مع زوجته ونظام الملك إلى همذان وسار هو بخمسة عشر ألف فارس فصادفت مقدمته عند خلاط مقدم الروسية في نحو عشرة آلاف واقتتلوا فانهزمت الروسية وانفذ السلطان بالسلب إلى نظام الملك وأمره ان يرسله إلى بغداد ولما تقارب العسكران ارسل السلطان إلى ملك الروم يطلب المهادنة فقال لا هدنة الا بالري ثم حملوا على الروم فانزل الله نصره على المسلمين وانهزم واسر ملكهم اسره غلام لكوهرائين وكان هذا الغلام قد عرضه كوهرائين على نظام الملك فرده استحقارا له فاثنى عليه كوهرائين فقال نظام الملك عسى ان يأتينا بملك الروم أسيرا استهزاء به فكان كذلك وفي حوادث سنة 464 ان الخليفة كان غاضبا على ايتكين السليماني لأنه قتل أحد المماليك الدارية فأرسله السلطان شحنة إلى بغداد وكان نظام الملك يعني بالسليماني فلم يقبل الخليفة. وفيها ان الخليفة القائم بأمر الله ارسل عميد الدولة بن جهير يخطب ابنة ألب أرسلان لولي العهد المقتدي بأمر الله فأجيب إلى ذلك وكان جهير الوكيل في قبول النكاح ونظام الملك الوكيل من جهة السلطان في العقد. قال وفيها سير السلطان ألب أرسلان وزيره نظام الملك في عسكر إلى بلاد فارس ففتح قلعة فضلوان وجاء به أسيرا فاطلقه السلطان. وفي سنة 465 قتل ألب أرسلان وكان أوصى بالسلطنة لابنه ملكشاه وكان المتولى تحليف العسكر له نظام الملك وتولى نظام الملك وزارة ملكشاه وكان ألب أرسلان يثق بنظام الملك كل الثقة حكى ابن الأثير انه كتب اليه بعض السعاة سعاية في نظام الملك وذكر ما له في ممالكه من الرسوم والأموال وتركت على مصلاة فقرأها ثم سلمها إلى نظام الملك وقال له ان صدقوا فهذب أخلاقك وأصلح أحوالك وان كذبوا فاغفر لهم زلتهم وأشغلهم بما يشتغلون عن السعاية. ولما بلغ قاورت بك وفاة أخيه ألب أرسلان سار طالبا للري ليستولي عليها فسبقه إليها ملكشاه ونظام الملك والتقى قاروت وملكشاه فانهزم قاورت ثم قبض عليه وخنق. وامتدت أيدي العسكر إلى أموال الرعية وقالوا ما يمنع السلطان ان يعطينا الأموال الا نظام الملك فذكر ذلك نظام الملك للسلطان وبين له ما في هذا الفعل من الوهن وخراب البلاد وذهاب السياسة ففوض الامر اليه وقال افعل ما تراه مصلحة فأنت الوالد وحلف له واقطعه اقطاعا زائدا على ما كان من جملته طوس مدينة نظام الملك وخلع عليه ولقبه ألقابا من جملتها اتابك ومعناه الأمير الوالد فظهر من كفايته وشجاعته وحسن سيرته ما هو مشهور فمنه ان امرأة ضعيفة استغاثت اليه فوقف يكلمها فدفعها بعض حجابه فأنكر ذلك وصرفه عن حجبته.
وذكر في حوادث سنة 466 ان ملكشاه سار يريد سمرقند ففارقها صاحبها وانفذ يطلب المصالحة ويضرع إلى نظام الملك في اجابته إلى ذلك فأجيب اليه. وفي حوادث سنة 467 انه لما توفي القائم وبويع المقتدي كان ممن بايعه مؤيد الملك ابن نظام الملك. قال وفيها جمع نظام الملك والسلطان ملكشاه جماعة من أعيان المنجمين وجعلوا النيروز أول نقطة من الحمل وكان النيروز قبل ذلك عند حلول الشمس نصف الحوت. وفي حوادث سنة 468 ان نظام الملك قصد أبا الحسن بن أبي طلحة الداودي عبد الرحمن بن محمد راوي صحيح البخاري فجلس بين يديه فوعظه وفي مختصر تاريخ آل سلجوق انه في سنة 468 ارسل المقتدي القاضي محمد البيضاوي بصحبة مؤيد الدولة إلى والده نظام الملك لاخذ البيعة على صاحب غزنة ففعل وقال ابن الأثير في حوادث سنة 470 كان فيها فتنة بين أهل سوق المدرسة وسوق الثلاثاء بسبب الاعتقاد الشافعية والحنابلة وكان مؤيد الملك بن نظام الملك ببغداد فأرسل إلى العميد والشحنة فحضروا ومعهم الجند فضربوا الناس فقتل بينهم جماعة وانفصلوا. وفيها توفيت ابنة نظام الملك زوجة عميد الدولة ابن جهير نفساء بولد مات من يومه ودفنا بدار الخلافة ولم تجر بذلك عادة لاحد فعل ذلك اكراما لأبيها وجلس الوزير فخر الدولة ابن جهير وابنه عميد الدولة للعزاء ثلاثة أيام وفي حوادث سنة 471 عزل فخر الدولة أبو نصر بن جهير من وزارة الخليفة المقتدي وسبب ذلك ما مر من الفتنة بين الشافعية والحنابلة فنسب أصحاب نظام الملك ما جرى إلى الوزير فخر الدولة والى الخدم وكتب محمد بن علي بن أبي الصقر الواسطي الفقيه الشافعي إلى نظام الملك انتصارا للشافعية:
يا نظام الملك قد حل ببغداد النظام * وبقي القاطن فيه مستهان مستضام وبها أودى له قتلى غلام وغلام * والذي منهم تبقى سالما فيه سهام يا قوام الدين لم يبق ببغداد مقام * عظم الخطب وللحرب اتصال ودوام فمتى لم تحسم الداء أياديك الحسام * ويكف القوم في بغداد قتل وانتقام فعلى مدرسة فيها ومن فيها السلام * واعتصام بحريم لك من بعد حرام فلما سمع نظام الملك ما جرى من الفتن وقصد مدرسته والقتل بجوارها مع أن ابنه فيها عظم عليه وأعاد كوهرائين إلى شحنكية العراق وحمله رسالة إلى الخليفة بالشكوى من بني جهير وسال عزل فخر الدولة وامر كوهرائين باخذ أصحاب بني جهير وايصال المكروه إليهم فسمع بنو جهير الخبر فسار عميد الدولة إلى نظام الملك ليستعطفه وسلك الجبال وتجنب الطريق خوفا ان يلقاه كوهرائين فيناله ووصل كوهرائين بغداد وأبلغ الخليفة رسالة نظام الملك فامر فخر الدولة بلزوم منزله ووصل عميد الملك إلى المعسكر السلطاني ولم يزل يستصلح نظام الملك حتى رضي وزوجه ابنة بنته وعاد إلى بغداد فلم يرد الخليفة أباه إلى وزارته وأمرهما بملازمة منازلهما واستوزر أبا شجاع محمد بن الحسين ثم إن نظام الملك راسل الخليفة في إعادة بني جهير إلى الوزارة فأعيد عميد الدولة إلى الوزارة وأذن لأبيه فخر الدولة في فتح بابه وذلك في صفر سنة 472 وفيها سعى خمارتكين وكوهرائين إلى السلطان في قتل ابن علان اليهودي ضامن البصرة وكان ملتجئا إلى نظام الملك وبينهما وبين نظام الملك عداوة فامر السلطان بتغريقه فغرق وانقطع نظام الملك عن الركوب ثلاثة أيام وأغلق بابه ثم أشير عليه بالركوب فركب وعمل للسلطان دعوة عظيمة وعاتبه على فعله فاعتذر اليه. وفي سنة 473 اسقط ملكشاه من العسكر سبعة آلاف لم يرض حالهم فقيل إن نظام الملك قال له ان هؤلاء ليس فيهم من له صنعة غير الجندية فإذا أسقطوا لم نأمن ان يقيموا رجلا منهم