بغداد فوصل إليها ليلة الأربعاء 5 شهر رمضان من السنة المذكورة ودفن في مقابر قريش في مقبرة النوبختية:
أقوال العلماء فيه.
كان من أحسن الناس أخلاقا وفضلا وأدبا وشعرا ومن أكملهم عقلا وسياسة وزر لمعز الدولة أبي الحسين أحمد بن بويه الديلمي ذكره صاحب اليتيمة فقال كان من ارتفاع القدر واتساع الصدر ونبل الهمة وفيض الكف وكرم الشيمة على ما هو مذكور مشهور وأيامه معروفة في وزارته لمعز الدولة وتدبيره أمور العراق وانبساط يده في الأموال مع كونه غاية في الأدب والمحبة لأهله وكان يترسل ترسلا مليحا ويقول الشعر قولا لطيفا يضرب بحسنه المثل ولا يستحلى معه العسل يغذي الروح ويجلب الروح كما قال بعض أهل العصر:
بأبي من إذا أراد سراري * عبرت لي أنفاسي عن عبير وسباني ثغر كدر نظيم * تحته منطق كدر نثير وله طلعة كنيل الأماني * أو كشعر المهلبي الوزير اه وذكره ابن خلكان فقال كان وزير معز الدولة أبي الحسين أحمد بن بويه الديلمي تولى وزارته يوم الاثنين 27 جمادى الأولى سنة 339 وكان من ارتفاع القدر واتساع الصدر وعلو الهمة وفيض الكف على ما هو مشهور به وكان غاية في الأدب والمحبة لأهله ومحاسنه كثيرة اه وذكره ياقوت في معجم الأدباء بترجمة طويلة لكن سقط أولها من النسخة المطبوعة. وفيها قال إبراهيم بن هلال الصابي كان أبو محمد يخاطب بالأستاذية وفي مرآة الجنان كان من رجال الدهر عزما وحزما وسؤددا وعقلا وشهامة ورأيا اه ومثله في شذرات الذهب مع زيادة وكان فاضلا شاعرا فصيحا حليما جوادا اه وقال ابن الأثير كان الوزير المهلبي كريما فاضلا ذا عقل ومروءة فمات بموته الكرم اه وفي فوات الوفيات: كان ظريفا نظيفا قد اخذ من الأدب بحظ وافر وله همة كبيرة وصدر واسع وكان جامعا لخلال الرئاسة صبورا على الشدائد.
تشيعه يدل عليه قول ابن الأثير الآتي: وخاف المهلبي ان يقيم على تشدده في امرهم فينسب إلى ترك التشيع ويرشد اليه دفنه في مقابر قريش التي هي مدافن الشيعة قديما وحديثا تبركا بجوار قبري الكاظمين ع.
حاله قبل توليه الوزارة ذكر صاحب اليتيمة نقلا عن مشايخه وذكر ابن خلكان في تاريخه ان الوزير المهلبي كان قبل اتصاله بمعز الدولة في شدة عظيمة من الضرورة والضائقة فسافر مرة ولقي في سفره مشقة صعبة واشتهى اللحم فلم يقدر على ثمنه فقال ارتجالا:
ألا موت يباع فاشتريه * فهذا العيش ما لا خير فيه ألا موت لذيذ الطعم يأتي * يخلصني من العيش الكريه إذا أبصرت قبرا من بعيد * وددت لو انني مما يليه الارحم المهيمن نفس حر * تصدق بالوفاة على أخيه وكان معه رفيق من أهل الأدب يقال له عبد الله الصوفي وقيل أبو الحسن العسقلاني فاشترى له لحما بدرهم وطبخه وأطعمه وتفارقا وتنقلت بالمهلبي الأحوال وتولى الوزارة ببغداد لمعز الدولة فقال:
رق الزمان لفاقتي * ورثى لطول تحرقي وأنالني ما ارتجي * واجار مما اتقي فلأصفحن عما اتاه * من الذنوب السبق حتى جنايته بما * صنع المشيب بمفرقي وضاقت الأحوال برفيقه وبلغه وزارة المهلبي فقصده وكتب اليه رقعة فيها:
الأقل للوزير فدته نفسي * مقال مذكر ما قد نسيه أتذكر إذ تقول لضنك عيش * الا موت يباع فاشتريه فلما نظر فيها تذكره وهزته أريحية الكرم على حكم من قال:
ان الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا من كان يألفهم في المنزل الخشن وأمر له بسبعمائة درهم ووقع في رقعته مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء ثم دعا به فخلع عليه وقلده عملا يرتفق به قال الثعالبي ونظير البيتين قول بعضهم:
قل للوزير أدام الله دولته * أذكرتنا أدمنا والخبز خشكار إذ ليس في الباب بواب لدولتكم * ولا حمار ولا في الشط طيار اتصاله بمعز الدولة كان في أول امره كاتبا عند معز الدولة قبل استيلائه على بغداد ثم وزر له قال ابن الأثير في حوادث سنة 334 انه سار معز الدولة يريد بغداد والاستيلاء عليها فلما وصل إلى باجسرى اختفى المستكفي وابن شيرزاد أمير الامراء وقدم أبو محمد الحسن بن محمد المهلبي صاحب معز الدولة إلى بغداد فاجتمع بابن شيرزاد وبالمستكفي فاظهر المستكفي السرور بقدوم معز الدولة.
تولية الوزارة لمعز الدولة في فوات الوفيات كان كاتب معز الدولة بن بويه ولما مات الصيمري قلده معز الدولة الوزارة مكانه وقربه وأدناه واختص به وعظم جاهه عنده وكان يدبر امر الوزارة للمطيع من غير تسمية بالوزارة ثم جددت له الخلع من دار الخلافة بالسواد والسيف والمنطقة ولقبه المطيع بالوزارة ودبر الدولتين. وفي معجم الأدباء خرج معز الدولة ووزيره أبو جعفر الصيمري إلى الموصل لقتال ناصر الدولة فاستخلف الصيمري المهلبي وأبا الحسن طاراد بن عيسى على الأمور بمدينة السلام إلى أن عاد ثم خرج الصيمري إلى البطيحة لطلب عمران بن شاهين واستناب بحضرة معز الدولة أبا محمد وحده في سنة 338 فخدم أبو محمد معز الدولة خدمة خففت به عنه وخف على قلبه فقبله ومال إليه وقربه وبلغ أبا جعفر ذلك فثقل عليه فتطلب لأبي محمد الذنوب وتمحل ما أنكره عليه وأطلق فيه لسانه بالوقيعة والتهدد وبلغ أبا محمد ذلك فقلق واستشعر النكبة والهلاك لأنه لم يطمع من معز الدولة في نصرته عليه وعصمته منه فما راعه إلا ورود كتاب الطائر بوفاة الصيمري