ألف دينار في السنة ووجه نصفه على بلد من الروم ونصفه على وجه في أقصى خراسان وكان ينظر في الأوقاف والمصالح ويرتب عليها الأمناء ويشدد في امرها ويكلها إلى الآمنة ووظف على ملوك الأطراف حمولا لخزانة السلطان وقرر معهم الحضور إلى الخدمة والوصول بالعساكر حتى ملأ الخزائن بالمال والبلاد بالعساكر ونشا له أولاد فأوطأ عقبهم ولما وفر الأموال على الخزانة والعسكر جعل فيها للعلماء وأصحاب الحقوق نصيبا وصير احسان السلطان بين أهل العلم ميراثا فلا جرم تذللت له المصاعب وتيسرت له المطالب ودانت له المشارق والمغارب اه.
ابتداء حاله ومجمل اخباره قال ابن الأثير في الكامل كان من أبناء الدهاقين بطوس فزال ما كان لأبيه من مال وملك وتوفيت أمه وهو رضيع فكان أبوه يطوف به على المرضعات فيرضعنه حسبة حتى شب وتعلم العربية وسر الله فيه يدعوه إلى علو الهمة والاشتغال بالعلم فتفقه وصار فاضلا وسمع الحديث الكثير ثم اشتغل بالاعمال السلطانية ولم يزل الدهر يعلو به ويخفض حضرا وسفرا وكان يطوف بلاد خراسان ووصل إلى غزنة في صحبة بعض المتصرفين ثم لزم أبا علي بن شاذان متولي الأمور ببلخ لداوود والد السلطان ألب أرسلان فحسنت حاله معه وظهرت كفايته فلما حضرت ابن شاذان الوفاة أوصى به الملك ألب أرسلان وعرفه حاله فولاه شغله ثم صار وزيرا له إلى أن ولي السلطنة بعد عمه طغرلبك واستمر على الوزارة وظهرت منه كفاية عظيمة وآراء سديدة قادت السلطنة إلى ألب أرسلان فلما توفي ألب أرسلان قام بأمر ابنه ملكشاه وهذا اجمال يأتي تفصيله. وقيل إن ابتداء امره انه كان يكتب للأمير تاجر صاحب بلخ وكان الأمير يصادره في كل سنة ويقول له قد سمنت يا حسن ويدفع اليه فرسا ومقرعة ويقول هذا يكفيك فلما طال عليه ذلك اخفى ولديه فخر الملك ومؤيد الملك وهرب إلى جغري بك داود والد ألب أرسلان فوقف فرسه في الطريق فسال الله فرسا يخلصه عليه فلقيه تركماني تحته فرس جواد فأعطاه إياه واخذ فرسه وقال له لا تنس هذا يا حسن قال فقويت نفسي وعلمت انه ابتداء سعادة فسار إلى مرو ودخل على داود فسلمه إلى ولده ألب أرسلان وقال هذا حسن الطوسي فاتخذه والدا لا تخالفه وكان الأمير تاجر لما سمع بهربه تبعه إلى مرو فقال لداود هذا كاتبي ونائبي وقد اخذ أموالي فقال له داود حديثك مع محمد يعني ألب أرسلان فلم يتجاسر على خطابه ورجع. وفي مختصر تاريخ آل سلجوق نقلا عنه قال كنت في مبدأ أمري في خدمة الأمير بيجير اسفهسلار خراسان فأشخصني اليه من موضع كنت متوليا له وانا متوجه نحوه الأمل منكسر القلب على فرس حرون هزيل يتعبني سيره وانا في ضر شديد من ركوبه فبينما انا سائر إذ ظهر من صدر البرية تركماني على فرس يجري جري الماء رهوان فتمنيت ان أكون راكبا مثله فتقرب التركماني مني واختلط بالموكلين بي وكلمهم ثم التفت إلي وقال هل لك ان تقايض فرسك بفرسي فحسبت انه يهزأ بي وقلت له يجوز مع ما انا فيه من هذه المحنة ان لا تستهزئ بي فنزل في الحال عن فرسه وأعطانيه واخذ فرسي واليوم منذ ثلاثين سنة أتمنى لقاءه واسال عنه ولا أجده.
اخباره مع ألب أرسلان السلجوقي وابنه ملكشاه.
قد عرفت ان ألب أرسلان استوزره قبل ان يلي السلطنة: ولما ولي السلطنة بعد عمه طغرل استمر نظام الملك على وزارته. في مختصر تاريخ آل سلجوق تأليف عماد الدين محمد الاصفهاني واختصار الفتح بن علي البنداري الاصفهاني لما ورد ألب أرسلان الري بعد وفاة عمه ومعه وزيره نظام الملك أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي تلقاه عميد الملك أبو نصر محمد بن منصور الكندري وزير طغرل وأول وزراء السلجوقية واجلسه على السرير فغار نظام الملك واحتال في قبضه فلما كان سنة 359 زار عميد الملك نظام الملك وترك بين يديه منديلا فيه خمسمائة دينار فلما انصرف سار أكثر العسكر في خدمته فتخوف السلطان من عاقبة ذلك فقبض على الكندري وقتله واستوى بذلك امر نظام الملك وقال ابن الأثير في حوادث سنة 456 سمع ألب أرسلان السلجوقي ان قتلمش وهو سلجوقي أيضا عصى عليه وخرج لحربه فأرسل اليه ينكر عليه فعله فقال نظام الملك لألب أرسلان قد جعلت لك من خراسان جندا ينصرونك ولا يخذلونك ويرمون دونك بسهام لا تخطئ وهم العلماء والزهاد فقد جعلتهم بالاحسان إليهم من أعظم أعوانك وليس نظام الملك السلاح واقتتلوا فانهزم قتلمش واستولى القتل والأسر على عسكره فأراد السلطان قتل الاسرى فتشفع فيهم نظام الملك فعفا عنهم وأطلقهم ووجد قتلمش ميتا فبكى السلطان لموته وعظم عليه فقده فسلاه نظام الملك اه.
وكم تدل هذه الأخبار على ما لنظام الملك من المحاسن. قال وفيها سار السلطان لغزو الروم وجمع من العساكر ما لا يحصى وجعل مكانه في عسكره ولده ملكشاه ونظام الملك وزيره فسار إلى قلعة فيها جمع كثير من الروم وساروا منها إلى قلعة سرماري فملكوها وبالقرب منها قلعة أخرى ففتحها ملكشاه وأراد تخريبها فنهاه نظام الملك وقال هي ثغر للمسلمين وشحنها بالرجال والذخائر والأموال والسلاح وسار ملكشاه ونظام الملك إلى مدينة مريم نشين وهي مدينة حصينة وعندها نهر كبير فأعد نظام الملك لقتالهما ما يحتاج اليه من السفن وغيرها وواصل قتالهما ليلا ونهارا وجعل العسكر عليها يقاتلون بالنوبة فضجر أهلها ووصل المسلمون إلى سورها ونصبوا عليه السلالم وصعدوا إلى أعلاه لان المعاول كلت عن نقبه لقوة حجره ودخل ملكشاه ونظام الملك البلد ثم استدعاهما ألب أرسلان وفرح بالفتح اه.
المدرسة النظامية وقال في حوادث سنة 457 فيها ابتدئ بعمارة المدرسة النظامية ببغداد وهي مدرسة عمرها نظام الملك هذا فنسبت اليه وقال في حوادث سنة 459 فيها في ذي القعدة فرغت عمارة المدرسة النظامية وتقرر التدريس بها للشيخ أبي إسحاق الشيرازي ولما اجتمع الناس لحضور الدرس طلب فلم يوجد لأنه لقيه صبي فقال له كيف تدرس في مكان مغصوب فتغيرت نيته عن التدريس بها ولم يبق ببغداد من لم يحضر غير الوزير فلما ايس الناس من حضوره قال بعضهم لا يجوز ان ينفصل هذا الجمع الا عن مدرس فأشير بابن الصباع صاحب كتاب الشامل فجلس للدرس ولما بلغ الخبر نظام الملك لم يزل يرفق بأبي إسحاق حتى درس وكانت مدة تدريس ابن الصباع عشرين يوما. وفي مختصر تاريخ آل سلجوق فيها طلق ألب أرسلان زوجته بنت ملك الكرج وزوجها لنظام الملك وزيره وقال ابن الأثير في حوادث سنة 462 فيها تزوج عميد الدولة بن جهير بابنة نظام الملك