فجلس له في العزاء وأظهر له الحزن الشديد ولزم منزله واستدعاه معز الدولة وأمره بالحضور وتمشية الأمور إلى أن يقلد من يرى تقليده الوزارة وترشح للوزارة جماعة وسماهم قال ووسط أحدهم وهو أبو علي الحسن بن محمد الطبري والدة معز الدولة وبذل مائتي ألف درهم عاجلة على سبيل الهدية بمطالبة معز الدولة فحمل منها مائة وثمانين ألف درهم وقال قد بقي بقية يسيرة إذا ظهر أمري حملتها فقال معز الدولة لا افعل إلا بعد استيفاء المال فعلم الطبري أنه خدع وندم على ما حمله ثم حضر الجماعة المترشحون الخاطبون وكل منهم يعتقد انه المختار المقلد وجلسوا في خركاه ينتظرون الإذن ثم أوصل القوم ووقفوا على مراتبهم ودخل أبو محمد بعدهم وقام في أخرياتهم فلما تكامل الناس أسر معز الدولة إلى أبي علي الحسن بن إبراهيم الخازن قولا لم يسمع فمشى إلى أبي محمد المهلبي وقبل يده وخاطبه بالأستاذية على ما كان أبو جعفر يخاطب به وحمله إلى الخزانة فخلع عليه القباء والسيف والمنطقة قال أبو إسحاق الصابي فوالله لقد رأيت الناس على طبقاتهم ممن أسميناه ومن يتلوهم من الجند وغيرهم والسعيد منهم من وصل إلى يده فقبلها وعاد أبو محمد إلى حضرة معز الدولة فخاطبه بالتعويل عليه في تقلد وزارته وتدبير دولته وشكره أبو محمد شكرا أطال فيه وخرج منصرفا إلى داره فقدم له شهري بمركب ذهب وسار أبو محمد سبكتكين الحاجب بين يديه والقواد والناس وذلك لثلاث بقين من جمادى الأولى سنة 339 ثم جددت له الخلع من دار الخلافة بالسواد والسيف والمنطقة فأثقله هذه الخلع وكان ذا جثة والزمان صيف وقد مشى في تلك الصحون الكثيرة فسقط عند دخوله إلى حضرة المطيع لله ووقع على ظهره فأقيم وظن أنه يحصر لما جرى فقال يا أمير المؤمنين:
خرسنوه وما دروا ما خراسان * بلبس القباء والمؤرخين ثم أكثر الشكر فاستحسنت منه هذه البديهة على تلك الصورة وركب إلى داره وجميع الجيش معه وحجاب الخلافة وحجاب معز الدولة بين يديه اه وقال ابن الأثير في حوادث سنة 339 في هذه السنة توفي أبو جعفر محمد بن أحمد الصيمري وزير معز الدولة واستوزر معز الدولة أبا محمد الحسن بن محمد المهلبي في جمادى الأولى وكان يخلف الصيمري بحضرة معز الدولة فعرف أحوال الدولة والدواوين فامتحنه معز الدولة فرأى فيه ما يريد من الأمانة والكفاية والمعرفة بمصالح الدولة وحسن السيرة فاستوزره ومكنه من وزارته فأحسن السيرة وأزال كثيرا من المظالم خصوصا بالبصرة فان البريديين كانوا قد أظهروا فيها كثيرا من المظالم فأزالها وقرب أهل العلم والأدب وأحسن إليهم وتنقل في البلاد لكشف ما فيها من المظالم وتخليص الأموال فحسن اثره رحمه الله تعالى اه.
جملة من اخباره قال ابن الأثير في حوادث سنة 339 ان عمران بن شاهين بعد مسير الصيمري عنه زاد قوة وجرأة فانفذ معز الدولة إلى قتاله روزبهان من أعيان عسكره فكسره عمران وغنم جميع ما معه وطمع أصحاب عمران في السلطان فصار إذا اجتاز بهم أحد من أصحاب السلطان يطلبون منه الخفارة وانقطع الطريق على البصرة الا على الظهر فشكا الناس ذلك إلى معز الدولة فكتب إلى المهلبي بالمسير إلى واسط لهذا السبب وكان بالبصرة فاصعد إليها وأمده معز الدولة بالقواد والأجناد والسلاح وأطلق يده في الإنفاق فزحف إلى البطيحة وضيق على عمران وسد المذاهب عليه فانتهى إلى مضايق لا يعرفها الا عمران وأصحابه وأحب روزبهان ان يصيب المهلبي ما أصابه من الهزيمة ولا يستبد بالظفر والفتح وأشار على المهلبي بالهجوم على عمران فلم يقبل منه فكتب إلى معز الدولة يعجز المهلبي ويقول إنه يطاول لينفق الأموال فكتب معز الدولة بالعتب والاستبطاء فترك المهلبي الحزم وهجم بجميع عسكره على عمران وكان قد جعل الكمناء في تلك المضايق فخرج الكمناء على المهلبي وأصحابه ووضعوا فيهم السلاح فقتلوا وغرقوا وأسروا وتأخر روزبهان ليسلم عند الهزيمة فسلم والقى المهلبي نفسه في الماء فنجا سباحة واسر عمران القواد والأكابر فاضطر معز الدولة إلى مصالحته وقال في حوادث سنة 340 في هذه السنة رفع إلى المهلبي ان رجلا يعرف بالبصري مات ببغداد وهو مقدم العزاقرية يدعي ان روح أبي جعفر محمد بن علي بن أبي العزاقر قد حلت فيه وانه خلف مالا كثيرا كان يجبيه من هذه الطائفة وان له أصحابا يعتقدون ربوبيته وان أرواح الأنبياء والصديقين حلت فيهم فامر بالختم على التركة والقبض على أصحابه وعلى الذي قام بأمرهم بعده فلم يجد الا مالا يسيرا ورأى دفاتر فيها أشياء من مذاهبهم وكان فيهم غلام شاب يدعي ان روح علي بن أبي طالب حلت فيه وامرأة يقال لها فاطمة تدعي ان روح فاطمة حلت فيها وخادم لبني بسطام يدعي انه ميكائيل فامر بهم المهلبي فضربوا ونالهم مكروه ثم إنهم توصلوا بمن القى إلى معز الدولة انهم شيعة علي بن أبي طالب فامر باطلاقهم وخاف المهلبي ان يقيم على تشدده في امرهم فينسب إلى ترك التشيع فسكت عنهم اه أقول محمد بن علي بن أبي العزاقر كانت قد ظهرت منه مقالات ردية وخرجت فيه توقيعات من امام أهل البيت ع فتبرأ منه أصحابنا وصلبه السلطان ببغداد.
وقال ابن الأثير في حوادث سنة 341 في هذه السنة سار يوسف بن وجيه صاحب عمان إلى البصرة فحضرها واستمد القرامطة فأمدوه بجمع كثير فبلغ الخبر إلى الوزير المهلبي وقد فرع من الأهواز والنظر فيها فسار مجدا في العساكر إلى البصرة فدخلها قبل وصول يوسف إليها وشحنها بالرجال وأمده معز الدولة بالعسكر وما يحتاج اليه وتحارب هو وابن وجيه أياما ثم انهزم ابن وجيه وظفر المهلبي بمراكبه وما معه من سلاح وغيره، وقال أيضا في هذه السنة من ربيع الأول ضرب معز الدولة وزيره أبا محمد المهلبي بالمقارع مائة وخمسين مقرعة ووكل به في داره ولم يعزله من وزارته وكان نقم عليه أمورا ضربه بسببها. وقال في حوادث سنة 345 في هذه السنة خرج روزبهان بن ونداد خرشيد الديلمي على معز الدولة وسار إلى الأهواز في رجب وبها الوزير المهلبي فأراد محاربة روزبهان فاستأمن من رجاله جماعة إلى روزبهان فانحاز المهلبي عنه اه وقال في حوادث سنة 347 انه فيها تجهز معز الدولة لحرب ناصر الدولة ومعه وزيره المهلبي وقال في حوادث سنة 350 في هذه السنة في المحرم مرض معز الدولة وامتنع عليه البول ثم كان يبول بعد جهد دما ويتبعه البول والحصى والرمل فاشتد جزعه وقلقه واحضر الوزير المهلبي والحاجب سبكتكين فاصلح بينهما ووصاهما بابنه بختيار، وقال في حوادث سنة 351 ان الوزير المهلبي أشار على معز الدولة ان يكتب على مساجد بغداد لعن الله الظالمين لآل محمد بدل ما كان يكتب.
مكارم أخلاقه ومن مكارم أخلاقه العجيبة ما في معجم الأدباء قال هلال:
حدثني