نبهت ندماني الموفي بذمته * من بعد أتعاب طاسات وأقداح فقلت خذ واسقني واشرب وغن لنا * يا دار مثواي بالقاعين فالساح فما حسا ثانيا أو بعض ثالثة * حتى استدار ورد الراح بالراح فقال له الرقاشي: لكنك أنت سبقتني ببيتين وددت أنهما لي بجميع شعري فقال وما هما قال قولك:
ومستطيل على الصهباء باكرها * في فتية باصطباح الراح حذاق فكل شئ رآه ظنه قدحا * وكل شخص رآه قال ذا ساقي أخباره مع الرشيد قال ابن منظور قال أبو نواس: أول اتصالي بالخلفاء أن الرشيد قال ذات ليلة لهرثمة بن أعين أطلب لي رجلا يصلح للحديث وللمسر فخرج هرثمة فسال فدل علي فأدخلني عليه فسألني الرشيد عن اسمي واسم أبي فأخبرته ثم قال لي يا حسن أرقت في هذه الليلة فخطر ببالي هذان البيتان:
وقهوة كالعقيق صافية * يطير من حسنها لها شرر زوجتها الماء كي تذل له * فامتنعت حين مسها ذكر فقلت بديها:
كذلك البكر عند خلوتها * يظهر منها الحياء والخفر حتى إذا ساسها مملكها * فما لها فيه ثم مزدجر قال أحسنت والله وأمر لي بمال وكان سبب اتصالي به. وفي بعض حكاياته معه إنه أمر له بعشرين ألف درهم. قال ابن منظور: كان إسحاق الموصلي يتعصب لأبي نواس ويشيد ذكره ويجهر بتفضيله ويجلب له الرفد من الرشيد ويحط من قدر الأصمعي لتنافس بينهما حتى أخذ أبو نواس المقام الأول بين الندماء وبنى لنفسه في نهر طابق الدور التي لم يبن مثلها عظماء الناس بينهما الأصمعي يستقرض من أصحابه حاجته من المال. قال وإنما حصل أبو نواس على المكانة عند الرشيد بأنه كان إذا بكر إليه سال أبو نواس خواص أهل بيت الرشيد عما يكون في نفسه أو يكون جرى له في ذلك الوقت ثم ينشده أشعارا لطيفة في مطابقة ذلك فيطيب بها نفسا. قال أبو نواس: ولقد كنت يوما معه بداره وعلمت من بعض خدمه إنه دخل مقصورة جارية على غفلة منها فوجدها تغتسل وقت الظهر فلما رأته تجللت بشعرها فأعجبه ذلك منها فلما دخل أبو نواس أنشده:
نضت عنها القميص لصب ماء * فورد وجهها فرط الحياء وقابلت الهواء وقد تعرت * بمعتدل أرق من الهواء ومدت راحة كالماء منها * إلى ماء معد في إناء فلما أن قضت وطرا وهمت * على عجل إلى أخذ الرداء رأت شخص الرقيب على التداني * فأسدلت الظلام على الضياء وغاب الصبح منها تحت ليل * وظل الماء يقطر فوق ماء فسبحان الاله وقد براها * كأحسن ما يكون من النساء فقال الرشيد على سبيل الاستغراب أمعنا كنت قال لا وإنما شئ خطر لي بالبال فقتله فضحك الرشيد ثم أمر له بجائزة وصرفه. قال ابن منظور قال بعض المترجمين ممن يحيط علما بأحوال أبي نواس أن هذه الحكايات من أبي نواس والرشيد موضوعات وإن أبا نواس ما دخل على الرشيد قط ولا رآه وإنما دخل على محمد الأمين وما ملك أبو نواس عشرين ألف نواة فكيف بعشرين ألف درهم إنتهى. أقول الرشيد ملك سنة 180 ومات سنة 193 وأبو نواس مر إنه ولد سنة 136 على الأقل و 149 على الأكثر وتوفي سنة 195 على الأقل و 200 على الأكثر وعلى كل حال فيكون قدد أدرك خلافة الرشيد ولا بد لمثله في تميزه بين الشعراء أن يكون قد دخل على الرشيد. وملكه عشرين ألف درهم لا وجه لانكاره فأمثاله من الشعراء كان ملوك بني العباس يغدقون لهم العطاء أما هذه القضايا التي تنقل له مع الرشيد فقد أشرنا عند ذكر أقوال العلماء فيه أن بعضها موضوع والحكاية الآنفة الذكر يمكن وقوعها والشعر الذي فيها قال ابن منظور انه من جيد الشعر وقال القاضي عياض في الشفا قد أنكر الرشيد على أبي نواس قوله:
وإن يك باقي سحر فرعون فيكمو * فان عصى موسى بكف خصيب وقال له يا ابن اللخناء أنت المستهزئ بعصا موسى وأمر باخراجه عن عسكره في ليلته إنتهى أقول الخصيب من موالي الرشيد ولاه مصر لما قرأ فرعون المحكي في القرآن الكريم: أليس لي ملك مصر فحلف ليولينها مولى من مواليه ولأبي نواس فيه مدائح كثيرة تأتي في أخباره معه. وفي المحاسن والمساوي للبيهقي قيل أدخل الفضل بن يحيى أبا نواس إلى عند الرشيد فقال له الرشيد أنت القائل:
عتقت في الدن حتى * هي في رقة ديني أحسبك زنديقا قال يا أمير المؤمنين قد قلت ما يشهد لي بخلاف ذلك قال وما هو قال قلت:
أية نار قدح القادح * وأي حد بلغ المازح الأبيات الآتية في المواعظ والحكم فقال الفضل يا سيدي إنه يؤمن بالبعث ويحمله المجون على ذكر ما لا يعتقده. ثم أنشد في مدح الرشيد:
لقد زاد في رسم الديار بكائي * وقد طال تردادي بها وعنائي كأني مريغ في الديار طريدة * أراها أمامي مرة وورائي فلما بدا لي الياس عديت ناقتي * عن الدار واستولى علي عزائي إلى بيت حان لا تهر كلابه * علي ولا ينكرن طول ثوائي فما رمته حتى أتى دون ما حوت * يميني وحتى ريطتي وحذائي فان تكن الصهباء أودت بتالدي * فلم تود لي أكرومتي وحيائي وكاس كمصباح السماء شربتها * على قبلة أو موعد بلقاء أتت دونها الأيام حتى كأنها * تساقط نور من فتوق سماء ترى ضوءها من ظاهر البيت ساطعا * عليك ولو غطيتها بغطاء تبارك من ساس الأمور بقدرة * وفضل هارونا على الخلفاء نعيش بخير ما انطوينا على التقى * وما ساس دنيانا أبو الأمناء أشم طوال الساعدين كأنما * يناط نجادا سيفه بلواء فخلع عليه الرشيد ووصله بعشرة آلاف درهم والفضل بمثلها إنتهى.
ومن مدائحه في الرشيد قوله:
حي الديار إذ الزمان زمان * وإذ الشباك لنا حرى ومعان