الثالث قوة العلاقة في المجاز وشدة مناسبته مع الحقيقة: إما لأن شدة المناسبة موجبة لأشهرية الاستعمال في الكلام وكثرة الدوران في المجاورات، أو لأن قرب المعنى المجازي إلى الحقيقي بحيث لا أقرب منه مقتض للانتقال من اللفظ إليه. أو لأن القرب من الحقيقة يقتضي ترجيح إرادته بنفسه، أي باعتبار كونه قريبا لا لكونه مظنة للاشتهار أو مقتضيا للتبادر والانتقال، إذ لا ريب في أن القرب من الحقيقة مما يرتفع به التساوي بين المعاني المحتملة، وارتفاع المساواة لا يكون إلا بالترجيح 1. انتهى ملخصا.
أقول: قد بينا في كتبنا الأصولية 2 اعتبار الوجه الأول من هذه الوجوه الثلاثة، وكذا الأخيران حيثما أوجبا التبادر، وأما بدونه فلا. وقد أشار السيد الأستاذ إلى ما في بعض الأخيرين أيضا لولا اعتبار إيجابهما للتبادر.
وأما الوجه الأول فهو تام صحيح، وكما ذكره يرجع تعيين أكثر المجازات في الكلمات إليه، ومتابعته شائعة في المحاورات، معتبرة عند أربابها.
ومنه تعين صاحب الجمال من القمر أو البدر في قولك: رأيت قمرا أو بدرا في بيت فلان، والبليد من قولك: فلان حمار، ونحو ذلك، وإن كان ذلك التبادر مسببا في الغالب من اشتهار الاستعمال في ذلك المجاز، وقد يسبب عن عدم ظهور علاقة بين المعنى الحقيقي وبين غير ذلك المجاز.
ثم مما ذكر يظهر وجه حملهم الأمر والنهي المصروفين عن حقيقتيهما على الندب والكراهة، لأنهما المتبادران عنهما عند تعذر الحقيقة، كما صرح به السيد السند المذكور 3.
مع أنه لو اعتبر الوجهان الأخيران أيضا لكانا جاريين هنا أيضا، لأن استعمال