على خلاف ذلك عند اخر.
والتحقيق: أن كل فعل لم يثبت من الشرع لا يمكن الاتيان به باعتقاد أنه من الشرع، ولكن يمكن فعله بإزاء أنه من الشرع، أو جعله شرعا للغير، وهو تشريع وإدخال في الدين وإن لم يعتقده المتشرع، وهذه هي (البدعة) ولذا تطلق (البدعة) على ما ابتدعه خلفاء الجور، كالاذان الثالث يوم الجمعة، وغسل الرجلين، وتثليث غسل الوجه في الوضوء، وصلاة الضحى، والجماعة في النوافل، ونحو ذلك، مع أنهم ما كانوا يعتقدون ثبوته من الشارع، وإنما أدخلوه في الدين إدخالا، بل وان اعتقدوه أيضا.
وبالجملة: المناط في الابتداع والتشريع والادخال في الدين: وضع شئ شرعا للغير، وجعله من أحكام الشارع له لا لنفسه، لأنه غير ممكن.
فالبدعة فعل قرره غير الشارع شرعا لغيره من غير دليل شرعي، ولا شك في كون ذلك (بدعة) كما ترى إطلاقها عليه في جميع ما ابتدعه العامة، مع أنه تدليس وإغراء وكذب وافتراء، فيكون محرما قطعا وأما ما لم يكن كذلك، فاطلاق البدعة عليه غير معلوم، ولم يثبت كونه بدعة وتشريعا.
قال (الصدوق) - رحمه الله - في من لا يحضره الفقيه، في باب حد الوضوء: والوضوء مرة مرة، ومن توضأ مرتين لم يؤجر، ومن توضأ ثلاثا فقد أبدع 1. انتهى.
ففرق بين ما لم يثبت من الشرع وبين البدعة، وجعل المرتين مما لم يثبت من الشرع، ولذا نفى الاجر عنهما.
بل صرح في موضع اخر من أبواب الوضوء: أن من توضأ مرتين مرتين، فقد تعدى حدود الله، وقال: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) 2 وجعل ثلاث