وثانيا: أن المكلف إما يلتفت إلى أنه مقصر، ويخطر ذلك بباله، أولا، فعلى الأول: لا يحصل له الاعتقاد. وعلى الثاني: لاوجه للحرمة.
فان قيل: الفعل في نفسه وإن لم يكن حراما، ولا ذلك الاعتقاد، ولا الفعل المقارن لهذا الاعتقاد، ولكن يحرم الفعل لأجل هذا الاعتقاد، حيث إن منشأ الاعتقاد ليس دليلا شرعيا، فجعله دليلا والآتيان بالفعل لأجله محرم.
قلت: إن أردت بجعله دليلا، التلفظ بأنه دليل، فهو ليس بأمر محرم، وإن أردت اعتقاد كونه دليلا، فحصول الأزيد مما يقتضيه هذا الدليل محال، كما أن تخلف ما يقتضيه أيضا كذلك.
فان قلت: يدخل حينئذ في التشريع والبدعة.
قلنا: لا نسلم، ومن أين علم صدق البدعة المحرمة على مثل ذلك؟ مع أنه لا يزيد اعتقاده عما يقتضيه دليله.
فإنه إذا أتى أحد بالقنوت في الركعة الأولى، لا من جهة قول الشارع بخصوصه، بل من جهة كونه دعاءا، وجواز الدعاء في الصلاة مطلقا، يكون جائزا قطعا. وكذا إذا أتى به لأجل حديث دل عليه، ولم يجد له معارضا مقاوما بزعمه بعد الفحص.
ولو وجد حديثا، واحتمل له معارضا ولم يفحص عنه، فإنه لا يقنت في الأولى حينئذ الا باعتقاد وروده من الشرع ورودا مجوزا له المعارض، ومحتملا عنده عدم تماميته، فلم يكون ذلك حراما؟ وسببية 1 هذا الحديث لا يمكن أن تكون تامة عنده قطعا.
هذا كله، مع أن الأنظار متفاوتة جدا، فحكم المجتهد بان كل من أفتى بذلك مع اعتقاد شرعيته فهو مقصر لا وجه له، إذ قد يكون المأخذ واضحا عند واحد، خفيا عند اخر، بل كثيرا ما ترى المسألة مجمعا عليه بل ضرورية عند واحد، و