أما على تقدير اختصاص رفع الحرج بهذه الشريعة فظاهر، وإلا لزم أن تكون مساوية لغيرها في الاشتمال على الحرج والضرر. والفرق بالقلة والكثرة تعسف شديد.
وأما على العموم: فلاجماع المسلمين على أن الحرج منفي في هذا الدين، و لان التكليف بما يفضي إلى الحرج مخالف لما عليه أصحابنا من وجوب اللطف على الله، فان الغالب أن صعوبة التكليف المفضية إلى حد الحرج تبعد عن الطاعة، وتقرب عن المعصية بكثرة المخالفة، ولأن الله تعالى أرحم بعباده، و أرأف من أن يكلفهم ما لا يتحملونه من الأمور الشاقة، وقد قال الله سبحانه:
(ولا يكلف الله نفسا الا وسعها) 1. انتهى.
أقول: بل التحقيق ما ذكرنا 2 من كون نفي الحرج والعسر أصلا يخرج عنه بدليل، ولا يلزم منه مساواة هذه الشريعة لغيرها في الاشتمال على الحرج، لان الحرج له مراتب كثيرة، منها ما يقرب إلى العجز وعدم الطاقة، فيمكن أن يكون المنفي وجوده في هذه الشريعة بعض مراتبه، كما نذكره في البحث السابع.
فان قلت: على ما ذكرت يجوز تخصيص هذه المرتبة أيضا من تلك العمومات.
قلت: نعم، ولكن الجواز غير الوقوع. والفرق إنما هو في الوقوع وعدمه، لا في الجواز وعدمه.
وأما ما ذكره من اجماع المسلمين على نفي الحرج في هذا الدين، فالمسلم منه ما كان تكليفا بما لا يطاق، أو ما يقرب منه، ويوجب ضيقا شديدا في غاية الشدة، وأما ما دونه، فلا، كيف وقد عرفت تصريح بعضهم بكون جميع التكاليف الواقعة حرجا، وبعضهم بوقوع التكاليف الشديدة في الدين!؟ وما أجمع عليه المسلمون وهو ورود نفي الحرج في الشرع على سبيل العموم، لا أنه لا مخصص له.