ومما يدل على ذلك: قوله سبحانه: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) 1 فان التعليل دل على أن الصوم مع المرض وفي السفر عسر، وأنه في أيام اخر خالية عن المرض والسفر يسر.
ثم إن المرتبة الثانية - وهو العسر كما أشرنا إليه - أعم مطلقا من الضيق، فان كل ضيق عسر، ولا عكس، فان من حمل عبده بشرب دواء كريه في يوم مثلا يقال: أنه يعسر عليه، ولا يقال: انه في ضيق، أو ضيق عليه مولاه.
وكذا من يكوم منتهى طاقته حمل مائة رطل، إذا امر بحمل تسعين مثلا، و نقله إلى فرسخ يقال: إنه يعسر عليه، ولكن لا يقال: إنه في الضيق. نعم لو امر بحمله ونقله كل يوم، يقال: إنه ضيق عليه.
وكذا يصح أن يقال: إن التوضؤ بالماء البارد في اليوم الشديد البرد مما يعسر، ولكن لا يقال: إن المكلف في ضيق من ذلك.
والنسبة بين هذه المرتبة والمرتبة الرابعة التباين، إذ لا يطلق العسر إلا على ما يمكن فعله، فما لا يمكن لا يقال: إنه يعسر.
والمرتبة الثالثة أعم مطلقا من الرابعة، إذ كل ما لا يقدر عليه ضيق، و لا عكس ثم إنه لا كلام لنا في هذا المقام في المرتبتين: الأولى والأخيرة، فان الأولى مما ريب في جواز التكليف بها وتحققه، ولا شئ هنا يعارض جوازه.
كما أن التكليف بالأخيرة منتف عندنا عقلا وشرعا، بل انتفاؤه يعم الشرائع كلها، وليس انتفاؤه من باب الأصل، حتى يجوز الخروج عنه بدليل، بل تحققه مطلقا غير جائز.
وإنما الكلام في المرتبتين: الثانية والثالثة.