وعلى هذا فإذا غرس أحد كرما بقصد عصر الخمر منه للخمارين، فهو عاص في هذا الغرس آثم مطلقا، لما مر في العائدة المتقدمة، فلو أثمر، وحصل منه الخمر، وشرب، يكون معاونة على الإثم أيضا، ويكون حراما من هذه الجهة أيضا، ولو لم يتفق ذلك فيه حتى قلع، لا يكون معاونة على إثم، ولكن يكون حراما لأجل قصده.
وأما الثالث: وهو العلم بتحقق المعاون عليه وبترتبه على عمله، فهو لا يشترط، فإنه لو غرس كرما بقصد أنه لو أراد أحد شرب الخمر كان حاضرا، فأثمر، وأخذ منه الخمر، وشرب، يكون عمله معاونة على الإثم. وإن لم يؤخذ منه الخمر، لا يكون معاونة وإن أثم في غرسه بهذا القصد.
فالمناط في الإثم والحرمة مطلقا: هو العمل مع القصد، سواء ترتب عليه ما قصد ترتبه عليه أم لا، وسواء علم أنه تتحقق النية، أو فعله يقصده أنه لعله يتحقق.
والمناط في المعاونة على الإثم: هو القصد وتحقق المعاون عليه معا، فإذا تحقق، يأثم بالاعتبارين، فلو لم يعلم أنه يتحقق، فإن فعل بقصد تحققه وتحقق، يكون معاونة على الإثم. وإن فعل بقصده ولم يتحقق، يكون فاعلا لقصد المعاونة على الإثم، ولذلك يكون آثما. وإن فعل لا بقصده، لا يكون آثما، سواء تحقق أم لا.
ومن هذا يظهر حال الرابع أيضا، أي اشتراط العلم بمدخلية عمله في تحقق المعاون عليه أم لا.
وذلك كما إذا علم أن زيدا الظالم يقتل اليوم عمرا ظلما، فأرسل إليه سيفا لذلك، مع عدم علمه بأنه هل يحتاج إلى هذا السيف في قتله، وله مدخلية في تحقق القتل أم لا؟ فإنه يكون آثما في الإرسال قطعا، فإن اتفق احتياجه إليه، و ترتب القتل عليه، يكون معاونا على الإثم أيضا، وإلا فلا.
وفرق ذلك مع سابقه: أن في السابق يعلم التوقف، ولكن لا يعلم تحقق