وإن أردت من ذلك أن من كان غالبا مبتلى بالتقية والخوف فأحب له أن يفعل الجمعة ولو مرة إذا حصل له الأمن فأنت تتحاشى عن ذلك، إذ حينئذ يصير واجبا البتة، ولا معنى للاستحباب، كما هو سياق الخبر.
وإن أردت ذلك مع بقاء الخوف واحتمال الضرر فهو حرام البتة.
وإن أردت تحصيل التمكن بأن يحصل أسباب الأمن ليتمكن من الجمعة فمع أنه خلاف سياق الخبر لمقابلته بالتمتع ولكونه تجوزا لا يجوز أن يصار إليه بلا دليل، فتحصيل ذلك من مقدماتها التي وجوب الصلاة بالنسبة إليها مطلقة، وعليك بإثبات كونها مشروطا بذلك.
وروى أيضا في الأمالي بإسناده عن النبي (صلى الله عليه وآله): من توضأ يوم الجمعة وأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فدنا واستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام (1). إلى غير ذلك من الأخبار الظاهرة في الاستحباب.
هذا تمام الأدلة التي أردنا ذكرها.
ونقول هاهنا: حاصل ما يتخلص من هذه الأبحاث هو أن وجوب الجمعة بديهي الدين، واشتراطه بحضور الإمام أو نائبه في زمان التمكن من ذلك، وأنه بدون ذلك حرام، فلعله أيضا مما لا بد أن لا يتأمل فيه، وقد عرفت الاجماعات عليه، وأما مع عدم التمكن وإن كان الإمام موجودا ففيه النزاع بين المحرمين والمخيرين.
فالمحرمون يقولون: إنه ثبت اشتراط الانعقاد والصحة بحضور أحدهما حال التمكن، وهو مستصحب حتى يثبت خلافه، ودليلهم على اشتراط ذلك بذاك هو الاجماعات والأدلة المتقدمة، فيستصحبون ذلك إلى ما بعد ذلك، مع أن بعضها مطلقة أيضا، كعبارة الصحيفة السجادية.
وأما المخيرون فيقولون في جوابهم: إن الاجماعات إنما هو في حال التمكن، وإن ذلك منعقد على أن عينيتها تتوقف على ذلك الشرط، لا مطلق جوازها.