العارف بذلك كان شائعا في الصدر الأول.
وقد يرد ذلك بأنه ينافي ذكر الأعلم بالسنة عقيبه، وأن العلم بمعاني القرآن لا تستلزم العلم بالسنة، فلا ينفع ذلك التوجيه، إلا أن يقال: إن الدقائق المرموزة في القرآن مما ينتفع به أهل التفكر فيه، ويتعظ به المذكرون كثيرا ما ينفك عنه العالم بالسنة بل الأعلم بها، إذ الظاهر من العلم بالسنة هو العلم بالفروع الشرعية مما يحتاج إليها في الصلاة وغيرها، فحينئذ المفروض أن الإمام لا بد من كونه عالما بأحكام صلاته بأي نحو كان اجتهادا أو تقليدا، وهذا يكفيه، وأما مرتبة التدبر في الآيات والتذكر بها والتقرب بذلك إلى جناب الباري جل اسمه لعله مرتبة يزيد فضله على هذا القدر من المزية في العلم.
ويؤيده الأخبار الكثيرة الواردة في قراءة القرآن، ولزوم التدبر فيه، وأن لا يكون هم أحدكم آخر السورة، بل أن تقرعوا قلوبكم القاسية (1)، فيكون المراد بالأقرأ هو ذلك، إلا أنه لم يعهد هذا القول من الأصحاب، فحينئذ الخبر الظاهر الدلالة على مطلوبهم هو الرواية العامية، ولعل ضعفه منجبر بعملهم، سيما مع كونه من أدلة السنن.
ثم المشهور بين المتأخرين أنه يقدم بعد الأفقه الأقدم هجرة، وهو المنقول عن الشيخ في النهاية (2)، وله قول بتقديم الأشرف بعد الأفقه على الأقدم هجرة.
والدليل على ذلك هو الرواية العامية (3).
والمراد بالأقدم هجرة - على ما ذكره في التذكرة - سبق الاسلام، أو من كان أسبق هجرة من دار الحرب إلى دار الاسلام (4)، أو يكون من أولاد من تقدمت هجرته، وقد مر سابقا ما ينفعك تذكاره.