والذي يظهر لي من مجموع الأخبار الأولة سقوط الأذان عن من يدخل المسجد إذا كان منفردا، كما هو ظاهر أكثرها، أو أعم بالنظر إلى الإطلاق، وخصوص بعضها.
والتي يمكن ادعاء ظهور اعتبار الجماعة منه هو صحيحة أبي علي، على ما فهمه الجماعة، وأنت خبير بأن ملاحظة الفصل بقوله: " فقلت: فإن دخلوا " وسياق الكلام لا يظهر منه سقوط الأذان والإقامة لهم، بل ربما يظهر كراهة الجماعة الثانية، لا الأذان والإقامة.
ولكن جل كلام الأصحاب متفق على السقوط عن الجماعة، بل وظاهر أكثرهم الاكتفاء به، وهو مع أنه خلاف الظاهر من الأخبار يمكن القول بأنه بعد تسليم ذلك فيهما يثبت في المنفرد بطريق أولى، لتأكدهما في الجماعة.
وبالجملة: الأولى بالنظر إلى الأخبار القول بجواز الترك للمنفرد، وبالنظر إليها وكلام الأصحاب معا القول بجوازه للجماعة أيضا.
وأما موثقة عمار فلا يقاوم تلك الأخبار، مع اعتضادها بعمل الأصحاب، ويمكن حملها أيضا على غير المسجد.
وربما يقال: بأن المراد من الأخبار كلها بمعونة فهم الأصحاب هو الجماعة في المسجد، وأن تلك الأخبار محمولة على الاتقاء، سيما مع ملاحظة رواية أبي علي، مستدلا بموثقة عمار.
وكلام العامة في ذلك مختلف، ولم يظهر منهم عدم جواز ذلك، نعم أبو حنيفة وبعض آخر منهم يقول بكراهة الجماعة الثانية في المسجد (1)، وذلك أيضا تفصيل، وهو غير القول بسقوط الأذان والإقامة، ولو فرض كونه كذلك فذلك إنما يحسن بالنظر إلى الجماعة، دون غيرها.
وأما رواية أبي علي فالذي يشعر به هو إرشادهم على الاختفاء والانزواء، وعدم إبراز أنفسهم، خوفا من الضرر، وهذا القدر لا يوجب اطراد الحكم.