وإن لم يخلص من تلك المضيقات ولم يتحل بالحلية الإلهية وبالجلباب الملكوتي، وبقي في السجين، فالرحمة الإلهية لا تغادره، وتشمله حتى لا يبقى على حاله مع تلك الرفقاء والأصدقاء المؤذية وغير المأنوسة التي ليست من جنسه، بل تكون من الأجناس الشيطانية والشهوية والغضبية، فتكون النار الخارجية، كالنار المحماة التي يستعملها أرباب الصنائع لتخليص الذهب والفضة من الرصاص والنحاس، فإن الذهب بلسان ذاته ينادي ويشتهي تلك النار، حتى تخلصه من هذا الصديق وجار السوء، وإليه يشير قوله تعالى: * (ونزعنا ما في صدورهم من غل) * (1).
فإن حصلت له اللياقة بعد ذلك ليدخل دار البقاء، ويصاحب الأنبياء والمؤمنين فهو، وإلا فيبقى في الجحيم خالدا ما دامت السماوات والأرض إلى ما شاء الله تعالى.
فبالجملة: آخر الدواء الكي، فالكي دواء ورحمة من الله تبارك وتقدس، فانظر إلى قوله تعالى كيف عد العذاب من الآلاء: * (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران * فبأي آلاء ربكما تكذبان) * (2).
فعلى هذا يمكن أن يقال: بأن الجنة التي هي ظل النفس الراقية، ليست بالاستحقاق، ولكن الجنة الموجودة في الآخرة والبرزخ في القوس النزولي بالاستحقاق، على الوجه المشار إليه.
والعقاب الذي هو تبعة الملكات الباطلة والرذيلة، ليس بالاستحقاق بالمعنى المتعارف منه، وإلا فهو أيضا بالاستحقاق، لأنه من قبل سوء الاختيار ابتلي به.
والعقاب الذي هو في البرزخ والقيامة بالتفضل، لأنه تعالى - إنعاما على