فعلى هذا، إن كانت الأوامر الغيرية ذات إطاعة، فله ذلك، وإلا فلا، بعد الفراغ عن أنها ليست ذات عقاب وعصيان قطعا.
وغير خفي: أن هذا ليس مسلكا ثالثا في كيفية العذاب والعقاب، بل الاختلاف في جهة أخرى يأتي بيانها.
وبالجملة يمكن أن يقال: بأن الأوامر الغيرية وإن لم تكن مستلزمة عند الترك للعقاب، لعدم اعتبار العصيان لها، ولكنها - كالأوامر الندبية والاستحبابية - تستتبع الثواب، لما يفرض لها الإطاعة والامتثال، فبناء على ثبوت الملازمة بين الإرادتين - وبعبارة أخرى: بناء على الوجوب الغيري - يترتب الثواب، لاعتبار عنوان " الطاعة " لأنها ليست إلا موافقة الأمر الصادر عن المولى وامتثاله بالانبعاث عنه.
وتوهم: أن الأوامر الغيرية ليست باعثة، لأن العبد إما ينبعث بالأمر النفسي، فلا ينبعث بالأمر الغيري. وإن لا ينبعث بالأمر النفسي، فلا يعقل باعثية الأمر الغيري بالنسبة إليه، فلا يتحقق منه الإطاعة بالنسبة إلى الأوامر الغيرية. ومجرد التوافق لا يورث صدق عنوان " الإطاعة " كما أن مجرد التخلف، لا يستلزم صدق عنوان " العصيان " (1).
قابل للدفع: بأن العبد ربما لا ينبعث نحو الواجب النفسي، لما لا يجد فيه الخير الكثير، وينبعث نحوه إذا كان يجد أن في مقدماته التبعات المطلوبة، وهو الثواب، ولا سيما إذا كان الثواب معلوما حده، وكان كثيرا، فعليه يمكن أن يكون الأمر الغيري باعثا بضميمة الأمر النفسي، وهذا الانضمام لا يضر بترتب الثواب، كما لا يخفى.
إن قلت: يلزم الدور، لأنه يتوقف تحقق عنوان " الإطاعة " على كون الأمر مولويا باعثا، ويتوقف باعثيته على كونه ذا ثواب، مع أن الثواب لا يكون إلا بالإطاعة والطاعة.