غيرها عبادة، مع أن الضرورة قاضية بإمكان ذلك في الطهارات الثلاث وفي غيرها.
أقول: يتوجه إليه أولا: أن الطهارات الثلاث وغيرها قبل تحقق شرط وجوب ذي المقدمة - كالوقت مثلا بالنسبة إلى الصلوات - قابلة لأن يؤتى بها عبادة، إما لأجل أوامرها النفسية، بناء على كون الترابية أيضا مستحبة نفسا.
أو لأجل تطبيق العنوان الآخر المستحسن عليها وهو كونها مما يتوقف عليها المحبوب الذي سيكون واجبا، فإن هذا المقدار كاف في التقرب، وقد عرفت: أن الشرع لم يحدث طريقا خاصا في أنواع المقربات وأنحائها، بل هي من الأمور العقلائية، وللشرع أيضا بعض الدخالة في الموضوعات، وفيما يليق أن يتقرب به منه تعالى (1)، فلا أمر غيري قبل الوقت حتى لا يجتمع مع الأمر النفسي.
اللهم إلا أن يقال: بأن الواجبات المشروطة واجبة معلقة ثبوتا، فلا يعقل الجمع.
ويمكن دفعه: بأنه وإن كان كذلك ثبوتا، ولكنه قابل لاعتبار خلافه إثباتا، نظرا إلى الأثر المترتب عليه، وهو بقاء الأمر النفسي والمحبوبية الذاتية، ومن هنا يظهر وجه صحة الطهارات قبل الوقت. وهذا هو سر صحة الوضوء التهيئي، لأن المكلف يريد المحبوب، لا المأمور به الفعلي، ولا ينبعث عن الأمر الغيري، بل ينبعث عن التوجه إلى المولى ومحبوبه الذي يريده منه في الآتي.
وثانيا: إذا كان الأمر الغيري قبل الوقت أو بعده، يتعلق بذات العبادات والطهارات الثلاث، فهو فيما إذا لم يكن مزاحم له في الاعتبار، وهو الحكم الاستحبابي والأمر النفسي السابق، فإنه يمنع عن حدوث مثله. واشتداد الإرادة الوجوبية من الإرادة الندبية، لا يستلزم إعدامها، كما في الأعراض الخارجية.