الماء في الكوز إن كان في مقام كان بين الماء والكوز علاقة الظرفية والمظروفية كان إيجاد الربط بينهما صادقا، وإلا كان كاذبا.
فتكون الحروف كالنسب، فكما أنها معان إيقاعية وبمجرد الإنشاء توجد، سواء كانت النسبة في الواقع متحققة أم لا، فإن قول القائل: زيد قائم ايجاد لنسبة القيام سواء كان كذلك واقعا أم لا، ولكن صدقها متوقف على ثبوت تلك النسبة في الواقع فكذلك في الحروف معانيها معان إيجادية ايقاعية، بنفس استعمال اللفظ تحصل تلك المعاني وهي الارتباطات الخاصة من الظرفية وأمثالها سواء كانت هذه الارتباطات حاصلة بين متعلقاتها واقعا أم لا، إلا أن صدقها موقوف على حصولها واقعا، فلو لم تكن هذه الارتباطات لما كان إيجاد الربط صادقا، لا أنه ما أوجد.
ثم إن الاستعمال قد يكون حقيقيا وقد يكون مجازيا، وانكار وقوع الاستعمال الحقيقي كعكسه مما لا وجه له. ويحتمل أن يكون بعض الاستعمالات واسطة بين الاستعمال الحقيقي والمجازي بأن لا يكون حقيقيا ولا مجازيا كما ذكرنا سابقا، وهو أن يستعمل اللفظ في المعنى بقصد وضعه له بهذا الاستعمال، بل لا يبعد أن يكون غالب الأوضاع من هذا القبيل. وبه يمكن تصحيح القول بكون ألفاظ العبادات حقائق شرعية في المعاني المخترعة، وبه يجاب عن الإشكال الوارد عليه بأنه لو قال الشارع: وضعت لفظ الصلاة أو غيرها لنقل إلينا.
وحاصله: أن الوضع كما يمكن ايجاده باللفظ كأن: وضعت هذا لذاك يمكن إيجاده بالفعل، وهو الاستعمال نظير الملكية فإنه كما يمكن إيجادها بالعقد كذلك يمكن إيجادها بالفعل وهو التعاطي، فهذا الاستعمال لا إشكال في أنه استعمال صحيح، وليس استعمالا حقيقيا وفي الموضوع له، لأن الفرض أن صيرورة المعنى موضوعا له متأخرة عن الاستعمال إلا أن يكتفى في كونه موضوعا ولو بهذا الاستعمال، وليس استعمالا مجازيا، لأن الاستعمال المجازي فرع على الاستعمال، أو الوضع للمعنى الحقيقي، لأن المجاز بلا حقيقة أو بلا وضع لا يمكن