للمخالفة القطعية وطرح العلم الإجمالي، فليس عدم جريان أصالة البراءة عن وجوب اجتناب أحد الإناءين من جهة أنها مثبتة لوجوب الاجتناب عن الآخر وشرط جريانها أن لا تكون مثبتة للحكم الشرعي من جهة أخرى.
وأما المثال الثاني وهي أصالة عدم بلوغ الماء الملاقي للنجاسة كرا ففيه: مع أن أصالة العدم من شؤون الاستصحاب لا البراءة أنه لا مانع من إجراء أصالة عدم بلوغ الماء كرا عند الشك في بلوغه كرا مع كون حالته السابقة هي القلة، والحكم بنجاسته بواسطة ملاقاة النجاسة، لأن أصالة عدم بلوغه كرا يثبت موضوع الانفعال وهي القلة، فهي كأصالة براءة الذمة عن الدين والحقوق المالية المثبتة لوجوب الحج، فكما أنه إذا كان الشخص واجدا لمقدار من المال واف بالحج وشك في وجوب حق مالي يمنع عن الاستطاعة تجري أصالة براءة الذمة عنه، ويحكم بوجوب الحج لتحقق موضوعه، كذلك إذا كان مقدار من الماء المسبوق بالقلة وشك في بلوغه كرا تجري أصالة عدم بلوغه كرا ويحكم بنجاسته بواسطة ملاقاة النجاسة لتحقق موضوع الانفعال وهي القلة بالأصل.
وأما المثال الثالث وهي أصالة عدم تقدم الكرية حيث يعلم بحدوثها على الملاقاة ففيه: ما ذكره الشيخ (قدس سره) فهو في نفسه ليس من الحوادث المسبوقة بالعدم حتى يجري فيه الأصل، نعم نفس الكرية حادثة فإذا شك في تحققها حين الملاقاة حكم بأصالة عدمها، وهذا معنى أصالة عدم تقدم الكرية على الملاقاة لكن هنا أصالة عدم حدوث الملاقاة حين حدوث الكرية، وهو معنى عدم تقدم الملاقاة على الكرية فيتعارضان... إلى آخر ما ذكره (قدس سره)، فعدم جريانها إنما هو من جهة المعارضة، وهو لا يختص بأصالة البراءة، بل سائر الأصول لا تجري أيضا عند المعارضة، فافهم.
وأما الشرط الثاني وهو أن لا يكون موجبا للضرر على آخر كما لو فتح إنسان قفص طائر فطار، أو حبس شاة فمات ولدها، أو أمسك رجلا فهربت دابته، فإن إعمال البراءة فيها يوجب تضرر المالك.