بالأهم يقتضي النهي عن المهم بناء على القول باقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضده، فتأمل.
وكيف كان فقد ذكروا لترجيح النهي على الأمر وجوها: بعضها راجع إلى جهة الاثبات كالوجه الأول، وبعضها راجع إلى جهة الثبوت كالوجه الثاني، بل الوجه الثالث على احتمال.
الأول: أقوائية دلالة النهي بالنسبة إلى الأمر، حيث إن المطلوب بالأمر صرف وجود الطبيعة، وهو يتحقق بتحقق فرد ما، وتعميمه إلى تمام الأفراد إنما هو بالإطلاق ومقدمات الحكمة، بخلاف النهي فإن المطلوب به ترك الطبيعة، وهو لا يتحقق إلا بترك جميع الأفراد.
والحاصل: أن نفس الأمر بالطبيعة حيث إن المطلوب به صرف الوجود لا يقتضي مطلوبية كل واحد من الأفراد على البدل، إلا بالاطلاق وجريان مقدمات الحكمة، بخلاف النهي حيث إن المطلوب به ترك الطبيعة أو الزجر عن الطبيعة نفس النهي عنها كاف في شمول الحكم لكل واحد من الأفراد بلا حاجة إلى شيء غير عدم تقييد الطبيعة فقوله: " صل " لا يشمل كل فرد من أفراد الصلاة على البدل إلا بمقدمات الحكمة، وأما " لاتغصب " فيشمل كل فرد من أفراد الغصب بنفسه بلا حاجة إلى شيء آخر، فتأمل.
وبعبارة أخرى إطلاق الأمر بدلي، وإطلاق النهي شمولي، والثاني يصلح بيانا للأول فيقدم عليه بخلاف العكس، كما أن العام يقدم على الاطلاق الشمولي كذلك الاطلاق الشمولي يقدم على الإطلاق البدلي. والوجه فيهما واحد.
ويمكن تقديم النهي على الأمر بوجه آخر، وهو أنه إذا تزاحم ما له بدل مع ما ليس له البدل فيقدم ما ليس له البدل على ماله البدل، وهنا لما كان النهي عن الغصب شاملا لتمام أفراده حتى الفرد المجامع للصلاة والأمر بالصلاة حيث إن المطلوب به صرف الطبيعة لا يشمل تمام أفرادها إلا على البدل، فيمكن ايجاد الصلاة في غير المكان المغصوب حتى يمتثل الأمر بالصلاة والنهي عن الغصب، وأما لو أتى بالصلاة في المكان المغصوب فهو وإن امتثل الأمر بالصلاة، إلا أنه