ولا يخفى أن هذا إنما هو على القول بكون الوضع عبارة عن الاختصاص الحاصل عن الانشاء القولي تارة وعن كثرة الاستعمال أخرى. وأما بناء على القول بأنه عبارة عن العلقة الحاصلة من تعهد الواضع والتزامه بأن لا يستعمل اللفظ إلا مريدا به المعنى، فلا محيص عن الالتزام بأخذ الإرادة في الموضوع له، إذ الالتزام لا يتعلق إلا بفعل اختياري وهو ليس إلا الإرادة.
فعلى هذا القول، الواضع التزم بأنه لا يتلفظ بهذا اللفظ إلا مريدا معناه. وما نقل عن العلمين (1) من تبعية الدلالة للإرادة ليس في هذا المقام، لأن الدلالة التي هي عبارة عن كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى أو فهم المعنى من اللفظ لا يتوقف على الإرادة، فإن لفظ زيد - مثلا - يكون بحيث يفهم منه معناه إذا استعمل، سواء أريد معناه أم لا، وهكذا فهم المخاطب المعنى من اللفظ لا يتوقف على الإرادة، فإن الدلالة التصورية لكل واحد من المعنيين يحصل بلا توقف على الإرادة، نعم الدلالة التصديقية أي الحكم بأن هذا المعنى مراد اللافظ متوقفة على الإرادة، بل بالفعل في مقام حل إشكال انتقاض حدود الدلالات الثلاث بعضها ببعض.
وحاصل الإشكال: أنه عرفت الدلالة المطابقية - مثلا - بدلالة اللفظ على تمام ما وضع له، ودلالة التضمن بدلالة اللفظ على جزء ما وضع له، ودلالة الالتزام بدلالته على الخارج اللازم، فإذا كان اللفظ مشتركا بين الكل والجزء - مثلا - واستعمل وأريد منه الجزء فلا شك في أن دلالته عليه دلالة بالمطابقة مع أنه يصدق عليها تعريف دلالة التضمن، لأنها عبارة عن دلالة اللفظ على جزء ما وضع له، وهذا اللفظ في هذا الاستعمال دال على جزء ما وضع له ولو بحسب وضع آخر وهكذا بالنسبة إلى الدلالة الالتزامية فيما كان اللفظ مشتركا بين الملزوم واللازم.
وأجاب بعض عن هذا الاشكال باعتبار قيد الحيثية فإن دلالة اللفظ على تمام