عموما بالعقل أو النقل. وهذا مما لا نزاع فيه لأحد، وإنما أوجب الاحتياط من أوجبه بزعم قيام الدليل العقلي أو النقلي على وجوبه، فاللازم على منكره رد ذلك الدليل أو معارضته بما يدل على الرخصة وعدم وجوب الاحتياط فيما لا نص فيه.
وأما الآيات المذكورة كبعض الأخبار الآتية لا تنهض بذلك ضرورة أنه لو فرض أنه ورد بطريق معتبر في نفسه أنه يجب الاحتياط في كل ما يحتمل أن يكون قد حكم الشارع بالحرمة لم يمكن يعارضه شيء من الآيات المذكورة (1).
وأما " السنة " فبروايات منها: قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " رفع عن أمتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه، وما لا يعلمون، ومالا يطيقون، وما اضطروا إليه... " إلى آخر الرواية (2). فإن حرمة شرب التتن - مثلا - مما لا يعلمون، فهي مرفوعة عنهم، ومعنى رفعها - كرفع الخطأ والنسيان - رفع آثارها، أو خصوص المؤاخذة عليها فهو كقوله (عليه السلام): " ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم (3) ".
والاستدلال بهذه الرواية وإن سلم عن المناقشة التي أوردناها على الاستدلال بالآيتين من أن المراد بإيتاء الحكم وبعث الرسول هو إعلام الحكم على مجاري العادة فالآيتان تدلان على عدم التكليف والعذاب على الأحكام التي سكت الله تعالى عنها ولم يبلغها بتوسط الرسل وبإنزال الكتب كما هو العادة في تبليغ الأحكام الكلية إلى الرعية. وهذا مما لا نزاع فيه، ولا تدلان على عدم التكليف بالأحكام التي بلغها الله تعالى على مجاري العادة، وخفي على بعض أفراد المكلفين من جهة العوارض الخارجية كما هو المدعى، وذلك لأن الرواية على تقدير تمامية دلالتها مقتضاها عدم التكليف بالحكم الذي لا يعلم به المكلفون، سواء كان عدم علمهم به من جهة عدم تبليغه على مجاري العادة أو من