ففيه: أن قاعدة الضرر من القواعد الثابتة بالأدلة الاجتهادية، ففي كل مقام تعمه هذه القاعدة لا مجال فيه لأصالة البراءة كما لا مجال لها مع سائر القواعد الثابتة بالأدلة الاجتهادية لورود الأدلة الاجتهادية أو حكومتها على الأصول العملية، فكل أصل سواء كان أصالة البراءة أو الاستصحاب أو غيرهما كان في مورده دليل اجتهادي، سواء كان موافقا أو مخالفا لا يجري ذلك الأصل.
فإن كان المراد بالاشتراط ذلك فلا يختص بأصالة البراءة، لأن جريان تمام الأصول مشروط بعدم دليل اجتهادي في موردها، ولا يختص بقاعدة الضرر، بل سائر القواعد والأدلة الاجتهادية أيضا حالها كحال قاعدة الضرر في كونها مانعة عن جريانها، وإن كان المراد بالاشتراط غير ذلك فلابد من بيانه حتى ننظر فيه.
ولا بأس بصرف الكلام إلى قاعدة الضرر والضرار بنحو الاختصار، وتوضيح مدركها ومفادها، وايضاح نسبتها مع الادلة المثبتة للأحكام الثابتة للأشياء بعناوينها الأولية أو الثانوية، فنقول:
قد استدل على هذه القاعدة بأخبار كثيرة، بل حكي عن الفخر (1) (قدس سره) دعوى تواترها، وهذه الدعوى وإن كانت بعيدة بالنسبة إلى التواتر اللفظي والمعنوي لاختلاف ألفاظها ومواردها إلا أنه لا بعد فيها بالنسبة إلى التواتر الإجمالي، فتأمل.
وكيف كان ففي كثرة الأخبار الواردة في المقام واشتهار التمسك بها بين الأعلام غنى وكفاية عن التعرض لسندها وتشخيص صحيحها عن سقيمها، مع أن بعضها موثقة مثل رواية بكير عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار وكان منزل الأنصاري بباب البستان، وكان سمرة يمر إلى نخلته ولا يستأذن، فكلمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء، فأبى سمرة، فجاء الأنصاري إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فشكى إليه وأخبره بالخبر، فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليه وأخبره بقول الأنصاري وما شكاه، فقال: إذا أردت الدخول فاستأذن، فأبى، فلما أبى ساومه حتى بلغ من الثمن ما شاء الله، فأبى أن يبيعه،