ثانيها: أنه بعد ما عرفت أن حجية ما عدا القطع تحتاج إلى التعبد الشرعي فاعلم أن الكلام في مقامين، أحدهما: في إمكان التعبد بما عدا القطع من الأمارات والأصول، والثاني: في وقوعه.
والمراد من الإمكان ليس الإمكان الذاتي، إذ لا إشكال في أن التعبد بما عدا القطع أمر ممكن ذاتا، بل المراد منه الإمكان الوقوعي بمعنى أنه لا يلزم من وقوعه محذور، وليس الإمكان بهذا المعنى أي الإمكان الوقوعي، بل مطلقا حتى الإمكان الذاتي أصل متبع عند العقلاء في مقام احتمال ما يقابله من الامتناع لمنع كون سيرتهم على ترتيب آثار الإمكان عند الشك فيه ومنع حجيتها على تقدير ثبوتها، لعدم قيام دليل قطعي على اعتبارها والظن به لو كان فالكلام الآن في اعتباره وإمكان التعبد به. ومجرد الرجوع إلى الوجدان وعدم وجدان ما يوجب الاستحالة لا يكفي في الحكم بالإمكان ما لم نجد في أنفسنا ما يوجب الإمكان، إذ عدم الوجدان أعم من عدم الوجود.
وكلام الشيخ الرئيس (1): " كلما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الإمكان ما لم يذدك عنه واضح البرهان " ليس في مقام أن الأصل في كل ما شك في إمكانه وامتناعه هو الإمكان كما هو المدعى، بل الإمكان في كلامه بمعنى الاحتمال العقلي، لأن هذا الكلام صدر منه في مقام الموعظة والنصيحة بأنه إذا سمعت أنه صدر من شخص فعل خارق للعادة كالمعجزة والكرامة لا تبادر إلى إنكاره، بل احتمل صدوره منه.
فما في كلام الشيخ (2) (قدس سره) من أن الأصل عند الشك في الإمكان والامتناع هو الإمكان لا يخفى ما فيه، مع أنه لا حاجة لنا إلى إثبات أصالة الإمكان إلا من جهة ترتيب آثار الإمكان عند الشك، ومعنى ترتيب أثر الإمكان على الشيء عند