المفهوم وهذا لا كلام فيه، وإنما الكلام في الأمور التي تدل على الحصر ومن جملتها أداة الاستثناء.، وقد تبين دلالتها على الحصر وعدم خلاف فيها إلا عن أبي حنيفة ولا إشكال في أن دلالة الجملة المشتملة على الاستثناء على حكم المستثنى منه دلالة منطوقية.
ولكن وقع الكلام في أن دلالتها على حكم المستثنى أيضا دلالة منطوقية أو مفهومية، لا إشكال في أنه لو كانت من باب الدلالة المنطوقية لابد أن يكون لفظ دال عليه كما في الجملة المستثنى منها، وليس في مثل: " جاء القوم إلا زيد " غير لفظ " إلا " ولفظ " زيد " شيء آخر ولفظ " إلا " ليس معناه إلا الاخراج، ولفظ " زيد " ليس معناه إلا الذات المعينة، فليس في الكلام قالب لجملة المستثنى في المثال وهو عدم مجيء زيد حتى تكون الدلالة من باب المنطوق، بل الحق أن الدلالة من باب المفهوم، لأن لفظ " إلا زيد " يوجب خصوصية في الجملة المستثنى منها وبواسطتها تدل على الجملة المستثنى، فاستفادة حكم المستثنى وهو عدم مجيء زيد في المثال المذكور إنما نشأت من الخصوصية التي حدثت في الجملة المستثنى منها من لفظ " إلا " كما أن استفادة المفهوم في الجملة الشرطية حدثت من الخصوصية التي اعتبرت فيها من لفظ " إن " وأمثالها، فالدال على المفهوم هي الخصوصية التي في الجملة المنطوقية لا اللفظ حتى تكون الدلالة منطوقية وإن كان الدال على تلك الخصوصية لفظا كلفظ " إلا " في المقام ولفظ " إن " في الجملة الشرطية فإن هذا يضر بكون الدلالة مفهومية، مع أنه لا ثمرة في النزاع في أنها من الدلالة المنطوقية أو المفهومية بعد ما كانت من الدلالات المعتبرة.
وما يتوهم من أنها لو كانت دلالة منطوقية تعارض دلالة المنطوقية ولو كانت مفهومية لما تعارضها، ففيه - مع الغض عن أن في كل مورد تعارض المنطوق مع المفهوم، فبالحقيقة التعارض بين المنطوقين، لأن هذا المفهوم إنما نشأ من الخصوصية المعتبرة في المنطوق فلابد من التصرف في المنطوق لو انجر الأمر إلى التصرف في أحد المتعارضين لرفع التعارض، ولا يمكن التصرف في المفهوم من دون التصرف في المنطوق فتأمل - أنه ما ورد دليل من آية أو رواية على أن