الوجوه على سبيل منع الخلو، لما ذكرنا من أن الأمر بالتوقف فيها إرشادي فيختص بما إذا كانت التهلكة محتملة، وليست التهلكة محتملة إلا في هذه الموارد، وأما في محل النزاع فالهلكة - أعني العقاب الأخروي - غير محتملة من جهة حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، فتأمل وراجع الاخبار. هذا تمام الكلام في الأخبار الواردة بالتوقف.
وأما أخبار الاحتياط فهي أيضا كثيرة منها: صحيحة عبد الرحمن الحجاج قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان، الجزاء بينهما أو على كل واحد منهما جزاء؟ قال: بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد، فقلت: إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه، قال: إذا أصبتم بمثل هذا ولم تدروا فعليكم الاحتياط حتى تسألوا وتعلموا " (1).
والجواب عن هذه الصحيحة هو ما ذكره الشيخ (قدس سره) (2) من عدم دلالتها على المدعى، وذلك لأن المشار إليه في قوله: " بمثل هذا " إما نفس واقعة الصيد وإما السؤال عن حكمها، وعلى الأول إن جعلنا المورد من قبيل الشك في التكليف بمعنى أن وجوب نصف الجزاء على كل واحد متيقن ويشك في وجوب النصف الآخر عليه فيكون من قبيل وجوب أداء الدين المردد بين الأقل والأكثر، وقضاء الفوائت المرددة والاحتياط في مثل هذا غير لازم بالاتفاق، لأنه شك في الوجوب.
وعلى تقدير قولنا بوجوب الاحتياط في مورد الرواية وأمثاله مما ثبت التكليف فيه في الجملة لأجل هذه الصحيحة وغيرها لم يكن ما نحن فيه من الشبهة مماثلا له، لعدم ثبوت التكليف فيه رأسا، وإن جعلنا المورد من قبيل الشك في متعلق التكليف وهو المكلف به لكون الأقل على تقدير وجوب الأكثر غير واجب بالاستقلال نظير وجوب التسليم في الصلاة، فالاحتياط منهما وإن كان مذهب جماعة من المجتهدين أيضا، إلا أن ما نحن فيه من الشبهة الحكمية التحريمية ليس