فكما أنه لو قال: جاء ما عدا زيد كان زيد مسكوتا عنه ايجابا وسلبا، كذلك جاء القوم إلا زيدا فلا ينافي ثبوت هذا الحكم له بدليل آخر ولا يكون بينهما تعارض.
فعلى هذا تكون " إلا " الاستثنائية ك " إلا " الصفتية التي هي بمعنى الغير وبناء على قوله يكون حال أداة الاستثناء في الدلالة على المفهوم كدلالة اللقب عليه، فإن قلنا بدلالته عليه نقول بدلالتها أيضا، وإلا فلا. ولا يمكن رد قوله إلا بأن المنسبق من إطلاق جاء القوم إلا زيد وأمثاله هو ثبوت الحكم للمستثنى منه وسلبه عن غيره لا مجرد إثبات الحكم للمستثنى منه.
وأما استدلاله على مدعاه بقوله: لا صلاة إلا بطهور (1) بتقريب أن يقال: إنه لو دلت أداة الاستثناء على حصر الحكم المذكور في القضية وقصره بالمستثنى منه بحيث يكون الاستثناء من الايجاب نفيا ومن النفي إثباتا لكان معنى لا صلاة إلا بطهور هو وجود الصلاة وتحققها بمجرد تحقق الطهور، والحال أنه ليس كذلك.
فضعيف جدا، وذلك لأن الشيء إذا كان له ركنية بالنسبة إلى المركب يتعارف استعمال مثل هذا التركيب فيه والمقصود منه أنه بانتفاء هذا الجزء ينتفي المركب بخلاف سائر الأجزاء، فإنه يمكن أن لا ينتفي المركب بانتفائها لا أن المقصود منه أنه بانتفائه ينتفي المركب، وبتحققه يتحقق المركب حتى يرد الإشكال.
ويتم الاستدلال وكذلك استدلال المثبتين بقبول رسول الله (صلى الله عليه وآله) إسلام من قال كلمة التوحيد، ولو لا دلالتها على نفي الألوهية عن غير الله وإثباتها له تعالى لما كان وجه للقبول.
وفيه: أن دلالتها على نفي ألوهية غير الله مستندة إلى اللفظ، وأما دلالتها على إثبات ألوهية الله تعالى، فبالقرائن المقامية. وهنا إشكال آخر وهو أن خبر لا إما موجود أو ممكن، فإن كان الأول فمعنى هذه الكلمة هو أنه لا إله موجود غير الله، فهذه الكلمة تدل على نفي وجود إله غير الله، ولا تدل على نفي إمكانه الذي هو المطلوب في التوحيد، وإن كان الثاني فلا تدل على وجود الله تعالى، لأن معناها