الكلام في الاستصحاب وهو من الوظائف المقررة للجاهل في مقام العمل، لما تقدم سابقا من أن غير العالم بالواقع إن قام عنده ما يحكي عن الواقع ويكشف عنه فهو بالنسبة إلى الموضوعات الخارجية تسمى أمارة وبالنسبة إلى الأحكام الشرعية تسمى دليلا اجتهاديا وإن لم يقم عنده ما يحكي ويكشف عن الواقع فلابد من الرجوع إلى الأصول التي تسمى بالنسبة إلى الموضوعات بالأصول الموضوعية، وبالنسبة إلى الأحكام بالأدلة الفقاهتية.
والأصول العملية التي قررها الشارع وظائف للشاك في مقام العمل مع حفظ شكه، وهي منحصرة - بحكم الاستقرار - في الأربعة المعروفة أعني البراءة والاحتياط والتخيير والاستصحاب، ولما لم يكن ضابط لامتياز كل واحد من الثلاثة المتقدمة عن البقية فلذا أدرجها المصنف (رحمه الله) في فصل واحد، وذلك لأنه قد يكون الشك في التكليف ومع ذلك يكون المرجع هو الاحتياط، وقد يكون الشك في المكلف به ومع ذلك لا يكون المرجع الاحتياط، ولما كان للاستصحاب ضابط مخصوص به يمتاز عنها فلذا عقد له فصلا على حدة.
وهو في اللغة: استفعال من الصحب بمعنى أخذ الشيء مصاحبا له وهو فعل المكلف، ومنه الاشتقاقات المعروفة.
وفي الاصطلاح: عبارة عن الحكم ببقاء ما كان إما من جهة بناء العقلاء عليه في أحكامهم العرفية مطلقا أو في الجملة تعبدا أو للظن الناشئ عن ملاحظة ثبوته سابقا، وإما من جهة دلالة النص أو دعوى الإجماع عليه.
ولا يخفى أن هذا المعنى هو القابل للنزاع وورود النفي والإثبات عليه، وإلا لو كان المراد هو بنفس بناء العقلاء أو الظن بالبقاء الناشئ عن العلم بثبوته سابقا لأمكن عدم ورود النفي والاثبات على محل واحد وصيرورة النزاع لفظيا، وذلك لأنه لابد على هذا للمثبت من إثبات الصغرى، وهي كون الحالة مفيدة للظن بالبقاء من جهة الغلبة - مثلا - وإثبات الكبرى وهي حجية هذا الظن من جهة إثبات حجية