فتحصل: أنه لابد في صدق المشتق على الذات تلبسها بالمبدأ، وكيفية تلبسها به يختلف صدورا وقياما وحلولا ووقوعا عليها وفيها وانتزاعا عنها بقسميه باختلاف المبادئ والهيئات والزنات، فلا بد من التأمل فيما يرد من الأمثلة ليعلم أنه من أي واحد من أنحاء التلبس، فتأمل.
السادس: الظاهر أنه لا فرق في صدق مفهوم المشتق حقيقة بين أن يراد بالمبدأ معناه الحقيقي أو أريد منه معناه المجازي، فإذا أطلق القاتل على الضارب ضربا شديدا كان كإطلاقه على من صدر عنه القتل في صدق المشتق حقيقة وإن كان بينهما فرق من حيث استعمال المبدأ في معناه الحقيقي وعدمه، وهو لا يوجب تفاوتا في صدق المشتق، وأما إذا أريد منه معناه الحقيقي ولكن أسند إلى غير ما هو له كالميزاب جار، فهل يصدق المشتق حقيقة أم لا؟ الظاهر عدم صدقه حقيقة، لأن معنى صدقه حقيقة هو أن يكون ما أسند إليه متلبسا بالمبدأ، وهنا ليس كذلك فلا يمكن أن يكون الاسناد إلى غير ما هو له، ومع ذلك يصدق المشتق حقيقة.
وما قيل من أنه لا فرق في صدق المشتق حقيقة بين أن يكون تلبس الذات بالمبدأ حقيقة وبلا واسطة في العروض كما في الماء الجاري، أو مجازا ومع هذا الواسطة كما في الميزاب جار، وأن المجاز إنما هو في الاسناد لا في الكلمة.
فقد ظهر ما فيه، إذ المجاز في الإسناد وإن لم يستلزم المجاز في الكلمة بأن استعمل لفظ في غير معناه الحقيقي، إلا أنه مستلزم لمجازية المشتق، إذ مجازيته عبارة عن جريه وتطبيقه على ذات لم يكن متلبسا بالمبدأ، وهنا كذلك، إلا أن يقال: إن الذات متلبسة به بواسطة وبالعرض، وفيه ما لا يخفى.
فعلى هذا الحق في هذا المقام مع صاحب الفصول (1) القائل باعتبار الإسناد الحقيقي في صدق المشتق حقيقة، فتأمل.
هذا تمام الكلام في الأمور التي ذكرت في المقدمة، والحمد لله رب العالمين، والصلاة على محمد وآله الطاهرين.