تعلق النهي بفعل لا يكون له متعلق من الأعيان والأمور الخارجية ك " لا تكذب ولا تفسق ولا تغصب " وأمثالها، فهذا التكليف الواحد لا ينحل إلى تكاليف عديدة بحيث يكون لكل منها موافقة ومخالفة على حدة، بل يكون تكليفا واحدا بسيطا له موافقة واحدة ومخالفة واحدة لو فرض كونه آنيا، ولم يكن له عموم بحسب الأزمنة، ولو كان له عموم بحسب الأزمنة يكون له في كل زمان زمان موافقة ومخالفة واحدة كالزمان الاول، فالشبهة الموضوعية من هذا القسم من النهي لابد أن يتركها المكلف ويجتنبها ليخرج عن عهدة هذا التكليف الوحداني البسيط ولو بالأصل، فلا يجوز له ارتكاب المصداق المشتبه إلا إذا كان حاله السابق ترك هذا العنوان المنهي، ومع ارتكابه لهذا المشتبه يشك في ارتكابه له وعدم ارتكابه فيستصحب معه بقاء العدم لو كان النهي بعثا إلى العدم، أو عدم الوجود لو كان زجرا عن الوجود ولو لم يكن أصل به يحرز الترك كما إذا كانت حالته السابقة مختلطة ومشتبهة، فلابد من ترك المصداق المشتبه بحكم العقل ليخرج من عهدة هذا التكليف الوحداني. والحاصل: أنه لابد في هذا القسم من النهي من إحراز الترك ولو بالأصل، فلو لم يحرز حتى بالأصل يجب الاجتناب عن موضوع المشتبه بخلاف القسم الأول فإنه لا يجب الاجتناب عنه، والغالب في النواهي هو القسم الأول، فتأمل في المقام.
الخامس: أنه قد عرفت حسن الاحتياط عقلا وشرعا بمجرد قيام الاحتمال، سواء كانت الشبهة وجوبية أو تحريمية، وسواء كانت حجة معتبرة على نفي التكليف أو لم تكن، وسواء كان المورد من الأمور المهتم بها من الشارع كالدماء والفروج والأموال أو من غيرها، وسواء كان الاحتمال قويا أو ضعيفا، فإذا كان الشخص ملتفتا من أول الأمر بأنه لو احتاط في الجميع ينجر إلى الوسواس، أو يترتب على الاحتياط مفسدة أخرى تكون غالبة على حسن الاحتياط، فلابد من تبعيض الاحتياط بأن يقدم في مقام الاحتياط ما هو أقوى احتمالا مثل أن يحتمل وجوب عشرة أمور، خمسة منها بالاحتمال القوي، وخمسة منها بالاحتمال