المنطوق مقدم على المفهوم مطلقا، وإنما المناط قوة الدلالة وضعفها، فربما يكون مفهوم يقدم على مناطيق كثيرة كما في إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء (1) فإنه مقدم على الأخبار الكثيرة الدالة على عدم تنجس الماء القليل بملاقاة النجاسة، فالمدار على أقوائية الدلالة وإن كانت مفهومية.
ومن جملة ما يدل على الحصر كلمة " إنما " لأن المتبادر من هذه الكلمة والمنسبق منها إلى الذهن هو ذلك وليس فهم ظهور ألفاظ لغة لأهل لغة أخرى منحصرا بأن يلاحظ أن مرادف هذا اللفظ في هذه اللغة ظاهر في أي معنى للحكم بأن مرادفه في تلك اللغة ظاهر في هذا المعنى ليلزم منه عدم إمكان فهم ظهور لفظ في لغة لأهل لغة أخرى إذا لم يكن له مرادف في لغتهم كلفظ " إنما " فإنه ليس له مرادف في لغة العجم كما قيل أو كان له مرادف ولكن لم يمكن إحراز ظهوره، بل لنا طريق آخر وهو الرجوع إلى أهل تلك اللغة والأخذ بما ارتكز في أذهانهم من هذا اللفظ.
والمتبادر من لفظ " إنما " في لغة العرب هو الحصر أي حصر المسند إليه بالمسند أو بالعكس، ولابد أن يكون المحصور عليه مؤخرا فإن كان المراد حصر المسند إليه بالمسند فلابد أن يقال: إنما زيد قائم. وإن كان بالعكس فلابد أن يقال:
إنما القائم زيد.
ومن جملة ما تدل على الحصر لفظ " بل " الاضرابية لا " بل " الترقي ولا الاضرابية مطلقا، بل فيما إذا لم يكن الاضراب من جهة ذكر المضرب عنه غفلة، أو من جهة سبق اللسان فإنه لا دلالة لها على الحصر حينئذ، فيكون كما لو ذكر المضرب إليه ابتداءا، وفيما إذا لم يكن الاضراب لأجل التأكيد ويكون ذكر المضرب عنه كالتوطئة والتمهيد لأجل ذكر المضرب إليه فإنها لا تدل على الحصر حينئذ أيضا، بل فيما إذا كان في مقام الردع وإبطال ما أثبته أولا، فإنها تدل على الحصر حينئذ فإنه لو لم يكن سنخ الحكم سواء كان إخباريا أو إنشائيا منتفيا عنه