وأما ما في استدلال القائلين بكونه حقيقة في الأعم إما في استدلالهم بصحة تقسيمه إلى الايجابي والندبي وأنها تدل على كونه موضوعا للأعم بأن التقسيم قرينة على إرادة الأعم وصحة الاستعمال في معنى أعم من كونه حقيقة فيه أو مجازا.
ولكن فيه: أنا نرى صحة تقسيم الأمر إلى الإيجابى والندبى بلا تجوز في معناه وكذا في تقييد الأمر بالايجابي نرى أن القيد ليس توضيحيا.
وأما في الاستدلال بأن المندوب طاعة وكل طاعة فهو فعل المأمور به فالمندوب فعل المأمور به بأنه إن أريد من المأمور به معناه الحقيقي فنمنع كون المندوب طاعة بهذا المعنى، وإن أريد غيره فهو غير مفيد.
وفيه: أن المندوب فعل المأمور به بمعناه الحقيقي، لأن الطاعة عبارة عن الاتيان بمطلوب المولى والمندوب أيضا مطلوب ومأمور به.
الجهة الرابعة: في اتحاد الطلب والإرادة.
ولا يخفى ما في هذا التعبير من المسامحة، لأن اختلاف الطلب والإرادة اتفاقي بيننا وبين الأشاعرة، وذلك لأن الأشاعرة (1) من جهة اعتبارهم في صدق المشتق على الذات حقيقة قيام المبدأ بالذات لما رأوا من أنه لا يصدق المتحرك على شخص بمجرد ايجاده الحركة في جسم آخر، بل المتحرك هو الجسم وإنما يتصف هذا الشخص بأنه محرك لا أنه متحرك، وقد ثبت بالضرورة أن الله تعالى متكلم وهو لا يصدق عليه بايجاده الكلام في جسم آخر من شجر ونحوه، فلا بد أن يكون المراد بالكلام شيئا يصح قيامه به تعالى ويكون مغايرا للعلم والإرادة والكراهة، وسموه بالكلام النفسي الذي يعم الإخبارات والإنشاءات، وفي الإخبارات لما لم يجدوا لفظا خاصا يعبرون عن ذلك المعنى به عبروا عنه بالكلام النفسي وفي الإنشاءات وجدوا له لفظا آخر وهو الطلب عبروا به عنه، وإلا فلا فرق بين الكلام النفسي في الإخبارات والإنشاءات.