والحجية بالنسبة إلى الشك في المقتضي مستفادة من دليل آخر، ومن مجموع الدليلين يثبت المدعى وهي الحجية المطلقة، كما أنه يمكن أن يكون دليل واحد بنظر شخص مثبتا لحجيته مطلقا، وبنظر شخص آخر مثبتا لحجيته في الجملة، أو بنظر شخص مثبتا لحجيته بالنسبة إلى بعض التفاصيل، وبنظر شخص أخر مثبتا لتفصيل آخر.
وكيف كان فقد استدل على حجيته بوجوه:
الأول: استقرار بناء العقلاء من الانسان بل ذوي الشعور من الحيوان على العمل على طبق الحالة السابقة، وحيث كان بناء العقلاء بما هم عقلاء على شيء ولم يردع الشارع عنه كان حجة، فلابد أولا: من إحراز هذا البناء من العقلاء، وثانيا: عدم ردع الشارع عنه، وثالثا: مقدار هذا البناء، وأن بناءهم على العمل على طبق الحالة السابقة مطلقا، أو فيما إذا كان الشك في البقاء من جهة الشك في الرافع والمزيل لا فيما كان الشك في البقاء من جهة الشك في المقتضي مثلا، أما بناء الحيوانات على العمل على طبق الحالة السابقة والرجوع إلى مراتعهم وأوكارهم ومحالبهم، فلا ينفع في إثبات المدعى، إذ لعل بناء الحيوانات من جهة القطع أو عدم احتمال الخلاف، وأما بناء العقلاء فالمنع عنه مطلقا - كما صنعه في الكفاية - لاوجه له، إذ هذا البناء منهم مسلم، وإن كانوا يحتاطون في بعض الأمور المهمة ولا يكتفون في ترتب تلك الآثار على مجرد الوجود السابق واحتمال بقائه وهذا لا ينافي كون بنائهم على العمل على طبق الحالة السابقة، كما أن في بعض الامور المهمة لا يعملون بخبر الثقة ولا يرتبون الأثر المهم عليه مع أنه حجة عندهم قطعا، وبناؤهم على حجيته واعتباره بلا ريب، كما أنه لاوجه للتمسك بالردع عنه بالآيات الناهية عن العمل بغير علم بعد تسليم هذا البناء منهم، وذلك لأن هذه الأدلة والآيات الناهية عن العمل بغير العلم لا تشمل ما كان بمنزلة العلم في الوثوق والاطمئنان في نظرهم، فالحالة السابقة لما كانت عندهم بمنزلة المعلوم فالأدلة الناهية عن العمل بغير علم لا تشمل العمل بها كما ذكر ذلك في العمل بالخبر