ومنها: قوله (عليه السلام): " ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم (1) " ودلالة هذا الحديث الشريف على المدعى أحسن من النبوي من جهة، وإن كانت دلالة النبوي أحسن منه من جهة أخرى.
أما جهة أحسنية هذا الحديث فلأن الموصول في هذا الحديث ظاهر في الحكم الكلي المجهول، إذ هو القابل لأن يكون منشأ جهله حجب الله علمه عن العباد لا الحكم الجزئي الذي يكون منشأ جهله الجهل بالموضوع الخارجي، فلا يرد على هذا الحديث ما يورد على النبوي من أنه لو كان المراد ب " مالا يعلمون " خصوص الحكم الشرعي الكلي يلزم التفكيك بين هذه الفقرة وسائر الفقرات، وإن أريد به الأعم منه ومن الموضوع الخارجي يلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى، كما تقدم.
وأما جهة أحسنية النبوي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلأن الصلة فيه هو قوله: " لا يعلمون " وهو يعم ما كان عدم العلم من جهة حجب الله علمه أو من جهة اختفائه بعد بيانه بخلاف هذا الحديث فإن الصلة فيه مخصوصة بما كان عدم العلم من جهة حجب الله علمه عن العباد فلا تعم ما خفي عليهم بعد بيانه.
والحاصل: أن هذا الحديث أحسن دلالة من النبوي من جهة الموصول، والنبوي أحسن منه من جهة الصلة. وكيف كان في دلالة هذا الحديث على المدعى إشكال، بل منع، لأن الظاهر منه أن ما حجب الله علمه عن العباد ولم يبينه لهم فهو موضوع عنهم لاما بينه لهم واختفى عليهم من معصية من عصى الله في كتمان الحق وسره، فيكون هذا الحديث مساوقا لقول أمير المؤمنين (عليه السلام): " إن الله حدد حدودا فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تعصوها، وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم (2) ".