المذكور لا يتصف بالحسن من جهة عدم الالتفات إليه حتى يوجب رفع قبح التجري، وكذلك ما ذكره (1) أيضا من أن التجري لو صادف المعصية الواقعية تداخل عقابهما فيه أيضا ما ذكره الشيخ (قدس سره) (2) من أنه لو أريد بالتداخل وحدة العقاب كما هو الظاهر من لفظ التداخل فلا وجه له، إذ هو ترجيح بلا مرجح، إذ مع كون التجري عنوانا مستقلا لاستحقاق العقاب فلا وجه لوحدة العقاب، لأنه نظير ما لو شرب الماء المغصوب المتنجس وإن أريد به عقاب زائد على عقاب محض التجري فهو ليس تداخلا.
الأمر الثالث: أنه قد عرفت أن القطع بالتكليف أخطأ أو أصاب يوجب عقلا استحقاق المدح والثواب أو الذم والعقاب من دون أن يؤخذ شرعا في خطاب وقد يؤخذ حكم آخر يخالف متعلقه لا يماثله ولا يضاده، كما إذا ورد في خطاب - مثلا - أنه إذا قطعت بوجوب شيء عليك التصدق بكذا تارة بنحو يكون تمام الموضوع بأن يكون القطع بالوجوب مطلقا - ولو أخطأ - موجبا لذلك، وأخرى بنحو يكون جزءه بأن يكون القطع به في خصوص ما أصاب موجبا له، وفي كل منهما يؤخذ طورا بما هو كاشف وحاك عن متعلقه، وآخر بما هو صفة خاصة...
إلى آخره.
وتحقيق المقام هو أن القطع قد يكون طريقا للحكم وكاشفا عنه، وقد يكون مأخوذا في موضوع [الحكم] القطع الذي طريق للحكم، لا فرق فيه بين خصوصياته من حيث القاطع وأسباب القطع وأزمانه، ومن خواص القطع الطريقي قيام الأمارات المعتبرة وبعض الأصول كالاستصحاب مقامه بنفس دليل اعتبارها كما هو محل الكلام، إذ لا إشكال ولا كلام في قيام أمارة أو أصل مقام القطع لو قام عليه دليل بالخصوص، وذلك لأن الأمارات المعتبرة شرعا كلها أو جلها طرق عقلائية لها جهة كشف ناقص عن الواقع، والشارع بدليل اعتبارها تمم جهة كشفها