الواقع هو الغالب، فإن كان طعام - مثلا - لذيذا عند غالب الناس وبشعا عند شخص، ففي الواقع يتصف هذا الطعام بكونه لذيذا، وهذا الشخص الذي يكون هذا الطعام عنده بشعا يكون طبعه منحرفا وخارجا عن الاعتدال وهكذا في سائر الأمور التي تختلف بحسب الأمذقة والسلق المعيار في تشخيص واقعها هو الرجوع إلى الشخص المعتدل إن كان، وإلا فالرجوع إلى الغالب، فما وافق طبع الشخص المعتدل أو الغالب فهو الواقع، وما كان مخالفا لهما فهو خلاف الواقع، فتأمل.
والحاصل: أنه كما على القول بأن صحة استعمال اللفظ في غير ما وضع إنما هي بالوضع وترخيص الواضع لابد من ضابط يمتاز به ما رخص الواضع الاستعمال فيه عما لم يرخص، وهو ما كانت بينه وبين المعنى الحقيقي مناسبة بإحدى العلائق المعتبرة المذكورة، فكذلك على القول بعدم توقفها على ترخيص الواضع، وليس هذا شغل الواضع، بل شغله وضع اللفظ للمعنى الحقيقي، فإذا وضع اللفظ له فيجوز استعماله في كل ما كان استعماله فيه مستحسنا طبعا ولو منع الواضع عن استعماله فيه، ولا يجوز استعماله فيه إذا لم يكن كذلك.
وإن رخص الواضع لا بد أيضا من ضابط وهو حسن الاستعمال، سواء كان في مورد العلائق المعتبرة أو لم يكن، بل تفحص شخص ووجد موردا يحسن الاستعمال فيه، وليس فيه إحدى العلائق المذكورة، ولما كانت الأشياء تختلف حسنا وقبحا بحسب الأشخاص والطوائف من جهة اختلافهم في الأمذقة والسلق كاختلاف المطعومات والمبصرات والمسموعات والمشمومات والملموسات بحسب الأشخاص والطوائف، فربما يكون طعام لذيذا عند شخص وبشعا عند آخر وهكذا غيره من المحسوسات، فإن كان هذا الشيء الذي أدرك شخص حسنه والآخر قبحه، أو أدرك شخص لذته والآخر بشاعته وهكذا عاريا في حد ذاته عن تلك الصفات المتقابلة كان حسنه وقبحه ولذته وبشاعته وهكذا غيرها أمورا إضافية لا واقع لها، فلا كلام لأنه حسن عند هذا الشخص وقبيح عند ذاك،