وإنما الإشكال في حرمة المخالفة القطعية وعدمها، فإن ظاهر اطلاق القول بعدم وجوب الاجتناب فيها هو الثاني، ولكن يحتمل أن يكون مرادهم عدم وجوب الاجتناب والاحتياط فيها في مقابلة الشبهة المحصورة التي يجب الاجتناب عن الكل، لا أنه يجوز فيها ارتكاب الكل حتى يلزم المخالفة القطعية.
والإشكال في حرمة المخالفة القطعية إنما هو فيما إذا لم يكن المكلف من أول الأمر قاصدا لارتكاب جميع الأطراف، وإلا فلا إشكال في حرمتها واستحقاق العقاب عند مصادفة الحرام الواقعي ولم يكن قصده من ارتكاب الجميع هو التوصل إلى الحرام المعلوم في البين، وإلا فلا إشكال أيضا في الحرمة واستحقاق العقاب من أول الأمر بناء على حرمة التجري.
ولو شك في كون الشبهة محصورة حتى يجب الاحتياط فيها أو غير محصورة حتى لا يجب الاحتياط فيها، فالمرجع هو إطلاق دليل التكليف لو كان، وإلا فالبراءة لأجل الشك في التكليف الفعلي، فتأمل.
الرابع: أنه قد عرفت أن وجوب الاجتناب عن كل واحد من الأطراف إنما هو من جهة المقدمة العلمية ولزوم التحرز عن الضرر المحتمل الذي يتوقف على التحرز عن جميع الأطراف، ولا يترتب على ارتكاب بعض الأطراف ما يترتب على المعلوم بالإجمال من الآثار الشرعية فمن شرب أحد الإناءين المعلوم كون أحدهما الغير المعين خمرا والآخر خلا لا يجب عليه حد شارب الخمر، وذلك لأن ترك أحد الأطراف كما في المثال أو فعله كما في اشتباه الواجب بغيره إنما كان من جهة المقدمة العلمية لامتثال التكليف المنجز المشتبه مصداقه بين الشيئين أو الأشياء، فمن جهة تنجز ذلك التكليف المعلوم في البين تعلق حكم ظاهري عقلي باجتناب جميع الأطراف أو ارتكابها من باب المقدمة العلمية.
وأما إذا كان تنجز ذلك التكليف معلقا على ارتكاب الموضوع الواقعي المشتبه بين الشيئين أو الأشياء فلا معنى - حينئذ - لتعلق حكم ظاهري بالمشتبهين لأجل العلم الإجمالي المفروض من باب المقدمة العلمية، لأنه فرع