أو بمعنى من له ملكتيهما. غاية الأمر أن التلبس بالمبدأ بناء على الأول ما دام الاشتغال بالفعل باقيا، وبناء على الثاني ما دامت الملكة باقية، والمفصل توهم أن الكاتب والتاجر بمعنى المشتغل بالكتابة والتجارة مأخوذان من الكتابة والتجارة بمعنى الملكة، وهو توهم فاسد، وهكذا الحال في سائر التفاصيل المذكورة في هذا المقام.
فظهر أن النزاع في المسألة ثنائي لا أزيد. والحق من هذين القولين هو القول بكونه حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدأ فعلا وفاقا لمتأخري الأصحاب (1) والمعتزلة (2) وخلافا لمتأخريهم والأشاعرة (3)، للتبادر وصحة سلب المشتق عما انقضى عنه المبدأ كالمتلبس به في الاستقبال، وذلك لوضوح أن مثل القائم والضارب والعالم وما يرادفها من سائر اللغات لا يصدق على من لم يكن متلبسا بالمبادئ وإن كان متلبسا بها قبل الجري والانتساب ويصح سلبها عنه. كيف؟ وما يضادها من الصفات بحسب ما ارتكز من معناها في الأذهان يصدق عليه ضرورة صدق القاعد عليه في حال تلبسه بالقعود بعد انقضاء تلبسه بالقيام مع وضوح التضاد بين القائم والقاعد بحسب ما ارتكز لهما من المعنى كما لا يخفى.
وقد يجعل هذا وجها على حدة من غير أن يكون متمما للوجه الثاني وهو صحة السلب بأن يقال: لا ريب في مضادة الصفات المتقابلة المأخوذة من المبادئ المتضادة على ما ارتكز لها من المعاني. فلو كان المشتق حقيقة في الأعم لما كانت بينها مضادة، بل مخالفة لتصادقهما فيما انقضى عنه المبدأ وتلبس بضده، والحال أن بين المبدأين تضاد بحسب المعنى المرتكز منهما والتضاد بين المبدأين مستلزم للتضاد بين مشتقيهما، بل لا معنى للتضاد بين المبدأين إلا عدم صحة حمل المشتق من أحدهما على ما يصح حمل المشتق من الآخر عليه، فإن معنى تضاد السواد