وإنما العمدة الدليلين المشتركين اللذين تمسك بهما كل من الطائفتين، وظهر منهما أن الحق مع الأعمي بالتقريب الذي ذكرنا، فتأمل.
بقي هنا أمور:
الأول: أن أسامي المعاملات هل هي موضوعة للصحيحة أو للأعم؟ ولا يخفى أن المراد بها ليس خصوص العقود، بل تعم الايقاعات، بل ما كان له سبب مركب أيضا، فتعم التذكية ونحوها. وأن محل النزاع فيما إذا أريد منها الأسباب التي هي أمور مركبة لا ما إذا أريد بها المسببات، فإنه لو كان المراد بها المسببات التي هي أمور بسيطة لا تتصف بالصحة والفساد، بل بالوجود تارة وبالعدم أخرى.
ثم إن العبادات لما كانت أمورا مخترعة وألفاظها ألفاظا محدثة - بناء على القول به - فالنزاع فيها في أن هذه الألفاظ موضوعة لخصوص الصحيحة.
أو للأعم منها ومن الفاسدة، على ما ذكر سابقا.
وأما المعاملات لما كانت أمورا عرفية معتبرة عند تمام الناس من أهل الملل وغيرهم وألفاظها أيضا عرفية فالنزاع في أنها موضوعة للصحيحة أو الأعم ليس في أنها عند الشارع موضوعة للصحيحة أو الأعم، إذ ليست المعاملات أمورا شرعية، بل في أنها عند العرف موضوعة للصحيحة أو للأعم، ومعلوم أن الصحة وإن كانت بمعنى التمامية إلا أنها تختلف بنظر الشرع والعرف، فربما تكون معاملة صحيحة بنظر العرف وتكون غير صحيحة بنظر الشرع، وربما تكون أنظار أهل العرف مختلفة فيها، ويكون شيء شرطا للصحة بنظر طائفة - كالصفقة عند العرب مثلا - ولا يكون شرطا عند طائفة أخرى، بل ربما تكون الشرائع أيضا مختلفة في الصحة بالنسبة إليها.
فعلى هذا لابد لمن يدعي أنها موضوعة للأعم أن للبيع - مثلا - بما أنه اسم للسبب لا بما أنه اسم للمسبب نوعين عند أهل العرف بما هم أهل العرف لا بما هم أهل الشرع أن يثبت هذا المعنى بالتبادر ونحوه، كما أنه لابد لمن يدعي أنها موضوعة للصحيح إثبات مدعاه كذلك. والاستدلال بكونها موضوعة للصحيحة