فإن قيل: على هذا يلزم أن يكون استعمال متعلقاتها دائما مجازا، وذلك لأن لفظ الماء مثلا أو الكوز في قولنا: الماء في الكوز لم يستعمل في طبيعة الماء وكذلك لفظ الكوز، وإنما استعمل في الطبيعة المتخصصة بالخصوصية، واستعمال اللفظ الموضوع للطبيعة المطلقة في الطبيعة المتخصصة بالخصوصية مجاز.
قلت فيه: أولا: أنه لا ضير في الالتزام بمجازيتها، ولذا قيل: أن أغلب الاستعمالات مجازية، بل قيل: أن استعمال (1) الحقيقي لا يوجد.
وثانيا: أن المجازية إنما تلزم لو قلنا: إن أسماء الأجناس موضوعة لنفس الطبائع الكلية، ويكون الوضع والموضوع له فيها عاما وتكون العلقة الوضعية بين اللفظ ونفس الطبيعة، كما أن العلقة الملكية بين المالك ونفس الكلي الذي فيما إذا كان المملوك كليا وبين الملك الشخصي وبين كلي المالك إذا كان المالك كليا كما في مالكية السادات أو الفقراء للخمس أو الزكاة. وأما لو قلنا بأنها موضوعة للطبائع المتخصصة بالخصوصيات وأن وضعها عام والموضوع له فيها خاص، والحكم تعلق بالكلي بلحاظ كونه مرآة للأفراد الخارجية مثل: لا تشرب الخمر كما احتملناه سابقا فلا يلزم المجازية.
فظهر أن المعاني الحرفية في عالم الذهن مثل العرضيات التي ليس لها وجود في عالم الخارج وليس لها ما بحذاء فيه، وإنما هي موجودة بوجود منشأ انتزاعها وتبع له فلا تكون تحت لفظة " في " في الذهن معنى في قبال ما يكون تحت لفظ الماء والكوز، وإلا لكانت الحروف مستقلة بالمفهومية كالأسماء.
وإن أبيت إلا عن كون الحروف تحتها معنى فنقول: إن المعنى الذي تحت الحروف ليس إلا معنى ايقاعيا يوجده المستعمل بإيجاد اللفظ لا معنى حكائيا مثل الأسماء، فالحروف على هذا موضوعة لايجاد الربط واحداثه بنفس الاستعمال، ومعنى الاستعمال إعمالها في ايجاد الربط، وهذا المعنى الايقاعي إن كان في مقام كان الربط الواقعي موجودا كان صادقا، وإلا كان كاذبا، فقول القائل: