حتى لم يبق محل لامتثال الأمر الثاني بواسطة فوات محله، والفرض أن الطبيعة قابلة للتكرر فيكررها بتلك الخصوصية تحصيلا لمصلحة تلك الخصوصية وامتثالا لأمرها وإن حصلت له مصلحة أصل الطبيعة بايجاده الأول مجردا عن الخصوصية وحصل امتثال الأمر بأصل الطبيعة به كما في الصلاة، فإنه تعلق أمر بأصل الصلاة وأمر آخر بايجادها جماعة مثلا، فالمكلف من أول الأمر مخير بين ايجادها جماعة حتى يمتثل كلا الأمرين ويحصل المصلحتين وفرادى حتى يمتثل الأمر بأصل الطبيعة دون الأمر بالجماعة، فإن صلى جماعة من أول الأمر فقد أتى بالفرد الأفضل وامتثل كلا الأمرين وأدرك المصلحتين، وإن صلى فرادى فقد أتى بالفرد الغير الأفضل وامتثل الأمر بأصل الطبيعة دون الأمر بالجماعة فله أن يأتي حينئذ بأصل الطبيعة في ضمن الجماعة تحصيلا لفضيلة الجماعة وامتثالا لأمرها وإن امتثل أمر المتعلق بأصل الطبيعة بإتيان الصلاة فرادى، ولكن بناء على هذا التقريب لا يأتي الصلاة الثانية أعني الصلاة مع الجماعة مثلا بداعي الوجوب، بل لابد من اتيانها بداعي القربة أو الندب.
المبحث التاسع:
في دلالة الصيغة على الفور وعدم دلالتها عليه:
لا خلاف ولا إشكال في أن الصيغة لا تدل على التراخي بنفسها، وإنما الخلاف والإشكال في دلالتها على الفور، فقيل بدلالتها على الفور وضعا (1) كما هو ظاهر من استدل بتبادر الوجوب الفوري من قول المولى لعبده: اسقني الماء. وفيه:
أن القرينة قائمة على الفورية، فكما أن أصل اتيان الماء مطلوب فمبادرته أيضا مطلوب بواسطة القرينة الدالة عليها، كما لا يخفى.
وقيل (2) بدلالتها على الفورية لا وضعا، بل من جهة الأدلة الخارجية كقوله