في كل واحد منهما في حد نفسه موجودا، إلا أنه لما لم يمكن الأخذ بكليهما من جهة التعارض فلا يكون كلاهما حجة فعلية، بل أحدهما المعين إن كان له ترجيح، وأحدهما الغير المعين إن لم يكن ترجيح في البين، بل كانا متعادلين، كما هو مفاد أخبار العلاجية.
فإذا ثبت أن موضوع التعادل والترجيح هما الدليلان المتعارضان فلابد أولا من تعريف التعارض وهو على ما ذكره الشيخ (قدس سره) تنافي مدلولي الدليلين على وجه التناقض أو التضاد، بأن يثبت أحدهما شيئا وينفيه الآخر، كأن يكون مفاد أحدهما وجوب شيء ومفاد الآخر عدم وجوبه، أو يثبت ضده، كأن يكون مفاد أحدهما وجوب شيء ومفاد الآخر حرمته، وعلى ما ذكره صاحب الكفاية هو تنافي الدليلين، أو الأدلة، بحسب الدلالة ومقام الإثبات، على وجه التناقض أو التضاد حقيقة أو عرضا، بأن علم بكذب أحدهما إجمالا، مع عدم امتناع اجتماعهما أصلا، كما إذا دل أحدهما على وجوب صلاة الجمعة في يومها، والآخر وجوب الظهر فيها، وعلمنا بكذب أحدهما إجمالا، فإنه لا منافاة بين وجوب الصلاتين في يوم الجمعة ذاتا، حتى يكون بين دليليها تعارض ذاتي، وإنما التعارض بينهما من جهة العلم الإجمالي بكذب أحدهما الغير المعين وإن في يوم الجمعة لا تجب علينا صلاتان، بل صلاة واحدة، إما الظهر أو الجمعة. والحق ما أفاده في الكفاية من أن التعارض هو تنافي الدليلين، أو الأدلة، بحسب الدلالة وفي مقام الإثبات، من جهة أن التعارض من أوصاف الدليلين أو الأدلة، وإن كان منشاؤه تنافي المدلولين أو المداليل ذاتا أو عرضا، ومجرد تنافي المدلولين لا يوجب صدق التعارض ما لم يكن بينهما تناف في مرحلة الإثبات ومقام الدلالة، فلابد في صدق التعارض من تنافي الدليلين أو الأدلة في مقام الإثبات والدلالة، وإن كان منشأ هذا التنافي هو التنافي بين المدلولين ذاتا، بأن يكون بينهما تناقض، كأن يكون أحدهما مثبتا لحكم، والآخر نافيا له، أو أحدهما مثبتا لحكم، والآخر مثبتا لضده، على ما يظهر من كلام الشيخ. أو أعم من أن يكون ذاتا أو عرضا، على ما صرح به في الكفاية