لم يرد الرخصة من الواضع في استعمال اللفظ في غير ما وضع له شخصا كما قيل، أو نوعا كما هو المشهور، لكان الاستعمال فيه غير صحيح، بل غلطا، بخلاف استعماله في ما وضع له، فإن نفس وضع اللفظ له كاف في صحة الاستعمال، ولا يحتاج إلى ترخيص آخر، أم ليست صحة الاستعمال فيه متوقفة على ترخيص الواضع، بل يكفي في الصحة حسن الاستعمال بحسب الطبع، ولذا يستعملون البلغاء الألفاظ في غير معانيها الحقيقية بمجرد المناسبة ومن الاستعمال طبعا، ولا يتوقفون عن الاستعمال حتى يطلعوا على ترخيص الواضع، بل لو كان الاستعمال مستحسنا ومنع الواضع عنه لا يعتنى بمنعه، ويجوز الاستعمال ولو مع منعه الظاهر هو الثاني.
نعم، لابد من ضابط لحسن الاستعمال بحسب الطبع كما أنه لابد منه بناء على القول بأن صحة الاستعمال متوقفة على ترخيص الواضع نوعا وهو الترخيص في استعمال اللفظ في غير ما وضع له إذا كان بينه وبين الموضوع مناسبة التي انحصر مصاديقها بحسب ما ذكروها بما إذا كان بينهما إحدى العلائق المعتبرة المذكورة في محلها التي ترتقي إلى خمسة وعشرين فإن الأمور التي يختلف حسنها وقبحها بحسب طبائع الاشخاص والطوائف، فتكون حسنة عند شخص دون آخر أو عند طائفة دون أخرى أو الأغذية التي تكون لذيذة عند شخص دون آخر أو عند طائفة دون أخرى وهكذا سائر الأمور والأشياء التي تختلف حالها حسنا وقبحا ولذة وبشاعة بحسب الأمذقة والسلق، يبعد القول بأنها عارية بحسب الواقع ونفس الأمر عن تمام هذه الصفات المتقابلة.
وهذه الصفات أمور اعتبارية تختلف بحسب الأشخاص والطوائف، بل الظاهر أن لها واقع من الحسن أو قبح أو اللذة أو البشاعة، والمعيار في أن واقعها ما هو هو الرجوع إلى ما وافق طبع الشخص المعتدل إن كان كما في معرفة حسن الاستعمال وقبحه وفصاحة الكلام وبلاغته وعدمهما، فانه يمكن الرجوع إلى القرآن ويكون هو المعيار وإن لم يكن شخص معتدل، فيكون المعيار في تشخيص